الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

إتنين فى الهوا




فى فضاء سماء صافية -إلا من عدد قليل من السحب- كانا يجلسان متجاورين.. يتناجيان بهمس.. يعقبان كل جملة بقبلة.. تحمل قبلاتهما من الاهتمام والحب أضعاف ما قد تحمله من رغبة...

أراه ينظر اليها مباشرةً فى عينيها - فقد كنت أجلس خلفهما فى الطائرة - وكلما أمعن النظر بداخلها.. زادت هى من إحكام قبضة يدها على أصابعه المستكينة فى كفها.. يتوج قبضتها خاتم من الألماظ يوثق للناظرين إرتباطهما الأبدى..

خجلت من نفسى .. ومن تركيزى اللا إرادى معهما.. فحاولت جذب انتباهى بعيدا... وأخذت أقرأ فى الكتاب الذى أحمله معى «The Power of Now» أو «قوة الآن» الذى يتحدث فيه العالم الروحانى «اكهارت تول» عن كيفية تطوير المهارات الذاتية للسيطرة على «العقل»... وأن علينا أن نصل بالعقل الى مستوى «العقل الواعى» والخطوة الأولى لذلك هو أن نعلم أن هناك فارق بين الأنسان وعقله.. «أنت ليس ما تفكر به.. أو ما يدور فى عقلك».. ووصف العقل بأنه اداة تفكير تعمل في اغلب الاحيان «ضدنا» .. فالعقل اما يعيش في الماضي أو يفكر في المستقبل وغير قادر على العيش «هنا والآن».

فالعقل يستخدمنا كـ"اداة" لأشباع رغبات اللاوعى.. ولكى نستريح من المعاناة التى تسببها لنا عقولنا علينا أن نراقب العقل «تعلم أن تفصل بينك وبين عقلك» وشيئا فشيئا سنفهم الميكانيزم الخاص به. هذه المراقبة والسيطرة هى التى تتيح للانسان عيش «الآن» و «هنا» من خلال وعي «الكينونة» او «التنوير» الداخلي «الروحاني» الذي يصفه بوذا بـ"نهاية الألم".

أعجبت بأفكار «تول» وقررت أن أحاول ممارسة العيش قى «الآن» فوضعت الكتاب جانبا كى أستمتع بلحظاتى الحالية دون القلق على المستقبل أو التفكير فى الماضى.. أخذت نفسا عميقا.. وملأت رئتى بالهواء.. وزفرت ببطئ .. ونظرت من النافذة المجاورة.. غصت فى شفافية السحب القطنية المتناثرة .. لمحت الأرض عن بعد.. شعرت وكأنى أمارس الطيران بأجنحتى الخاصة..حاولت أن أجرد نفسى من كافة المفردات المحيطة.. كى لا يبقى أمامى سوى الأفق.. أبحر فيه حتى أرسو على أرض غريبة.. ولكن عقلى عاد اليهما - الحبيبان - مرة ثانية كجزء من لحظتى «الآنيه»

تابعتهما بعينى من بين مفترق المقاعد.. ما أجملهما.. ما أجمل الإحساس بالحب.. رأيته يحيط رأسها وكتفيها بذراعيه لتستقر فى حضنه .. وشعرت ببرودة مفاجئة!! تلحفت ببطانيتى وتفحصتهما بعناية عَلِى أعثر على سر حبهما!!.. كانا فى أواخر العشرينات.. شاب وسيم.. وفتاة متوسطة الجمال... ترى هل يراها كما يراها الناس؟ أم هل هى بالنسبة له أجمل نساء الأرض؟ توالت متاهاتى فيهما وملأتنى الأستفسارات المحيرة... لماذا أنا محرومة من مثل هذا الإحساس؟ لماذا أفتقد دفء قصة حب مثل هذه ؟! كيف تخلُ حياتى من علاقة حب أشعر فيها بالاكتمال؟ وهل أنا فعلا غير مكتملة فى ظل غياب الحب؟ واين شعاراتى التى أرفعها عاليا عن التحقق والنجاح والإستقلال؟ لماذا لا يوجد لدى سند عاطفى فى هذه الدنيا؟! أين الخطأ؟ هل العيب بى؟ أم بالحياة التى نحياها؟ هل أنا شخصية متطلبة فى الحبيب؟ أم أننا نحيا فى زمن بخيل يرفض حتى الجود بالأحباب؟ بداخلى حب يكفى الكون بأكمله.. وليس لدى من أهبه هذه المشاعر.. أين الخطأ فى هذه المعادلة الإنسانية؟ هل الحب عملة صعبة فى هذا الزمان؟

هل المشكلة تكمن فى مفردات العصر «المبارك» الذى نحياه؟ هل لأننا نحيا فى زمن يصعب فيه الفكاك من ساقية الماديات.. فأصبح فيه الحب رفاهية لا يقدر عليها البشر؟.. هل كافة الإحباطات - الخاصة والعامة -المحيطة بنا قد أجهضت أحلامنا بالحب؟ هل الرجال ولاد ستين فى سبعين وأنانيين وخائنين ؟أم ان النساء هن ولاد تمانين فى تسعين وغدارات ونكديات ومتطلبات؟

راقبت تسلسل الأفكار السابقة بداخلى كما يدعو «اكهارت تول» كى أصل بنفسى الى سيطرة العقل الواعى.. وأيقنت أنى «الآن» مجرد أنثى وحيدة ...تشعر بالبرد... تتوق للحب... ولا تقوى على تحمل آلامه.. فنظرت للحبيبين أمامى وودعتهما وأحكمت إغلاق جفونى كى أسلم روحى لدنيا الأحلام حتى موعد وصول طائرتى..


هناك 12 تعليقًا:

أختكم فى الله يقول...

ما شاء الله مدونتك رائعة

واسلوبك جميل

اول مرة ازورها ويشرفنى متابعتها

كل سنة وانتى طيبة

رمضان كريم

TAFATEFO يقول...

تراك تراك تراك

ده صوت التصفيق .. جمييييييله

غير معرف يقول...

لماذا أفتقد دفء قصة حب مثل هذه ؟
اااااااااااااااه
كلنا هذة الفتاة يا بلد بايظة
ذبلنا واحنا فى قمة عطائنا

غير معرف يقول...

... لماذا أنا محرومة من مثل هذا الإحساس؟ لماذا أفتقد دفء قصة حب مثل هذه ؟! كيف تخلُ حياتى من علاقة حب أشعر فيها بالاكتمال؟ وهل أنا فعلا غير مكتملة فى ظل غياب الحب؟
والله كانك بتحكى عنى بس يعنى هو مفيش حل الواحد خلاص يعود نفسه على الصحراء الجرداء اللى هو عايش فيه دى ولا ايةانامش عايزة ارتبط وخلاص ولا عايزة سوبر مان ولا الراجل الاخضر انا عايزة راجل بمعنى الكلمة بس مين عارف والله يمكن فى مكان على وجه البسيطة يقبع نصفك الاخر وياريت يكون نصى انا كمان معه هما غابوا شوية بس خلينا احنا الكبار والغايب حجته معه

mostafa rayan يقول...

عزيزتي لست وحدك من يشعربهذا الشعور هناك نساء ورجال اكثيرون مثلك
يمكن كل اللي انتي قولتيه هو السبب ويمكن لسة النصيب مجاش بس اكيد ان شاء الله جاي

غير معرف يقول...

لن اقول لك صبرا واغلقى عيناكى بقوة حتى تقبضى على الحلم واوغلى فيه برفق يا عبير ولا تجعليه يتفلت منك ولن اقول ايضا انزعى عنك بطانيتك وطاردى الحب فى الطرقات وفى وجوه الاخرين وبين احاديثهم فهذا محال , لكن دعينى اقول لك ان العيب فيكى اجل , لانك رومانسية حالمة , واكيد عندك مبادىْ وعزة نفس وكمان شخصية يعنى ببساطة فيه ندية ويمكن تكونى اعلى من الاخر
( هكذا الرفاق يتخيلون ) ، لذلك يجب عليكى ان تكونى قانعة خاضعة ويا ريت بلاش حكاية الكتابة اللى بتخوف احيانا واجيدى الطبخ والانتظار
تلك مفردات الحاضر , لكننى اراهنك ان هناك من يتربص بك ويريدك حبيبة وان شاءالله يعثر عليكى وساعتها لن تشعرى بأى برد خالص
تحياتى ومؤازرتى يا جميلة
اميمة عز الدين

Ahmad Abdulatif يقول...

الجميلة عبير
البوست يحمل من المشاعر والأفكار ما يفيض ، لكن أسئلتك ليست لها اجابة قاطعة ، فالحياة ليست ارادتنا الداخلية التي تتحكم في وجودنا ، بل أن هناك ارادة خارجية ، تقوم بالتوفيق وتوزيع الأرزاق . وليس امامنا ان ننتظر ما تجود به .
أعتقد ان الحب والزواج أصبح أكثر تعقيدا من ذي قبل ، ولا أحد ينكر أن ما كان يروق لوادلتك لا يروق لك الآن ، فأصبح من الصعب تحقيق المنال .
ربما تضحك لنا الدنيا في يم ، وتهبنا حبا أبديا ، وان كنت لا اؤمن بالأبدية
لك تحياتي

mohamed يقول...

ربما يا سيدتى نعيش سعادتنا فى سعادة الاخرين, فبعضناوربما بأختياره لايحب ان أن ينضوى فى علافه الطرف الثانى لم يجده
ولانستطيع القبول بأنصاف الحلول أى *** أى شىء أفضل من لاشىء*** بعضنا تركيبته لاتسمح بهذا ابدا
تحياتى لاسلوبك الصادق والبليغ والراقى

أنسانة-شوية وشوية يقول...

حلوة اوى يا عبير طريقة وصفك لحالة الالحاح العاطفى دى وكمان جميل انك بتربطى اللي بتقرائه علي الواقع وبالنسبة للاسئلة هى الحياة مراحل يعدى علي كل واحدة مننا مرحلة تتحب ومتحبش ومرة تحب ومتتحبش الا ان يأذن الله تعالي بمرحلة الاستقرار العاطفة تتحب وتحب .
رزقنا الله جميعاً هذا الاستقرار

غير معرف يقول...

بجد اسلوبك رهيييييييييب
اما بالنسبه للكتاب فانا كنت حاولت اقرا في نفس الموضوع للدكتور ابراهيم الفقي بس القراءه حاجه والتطبيق حاجه تانيه خالص

r يقول...

انا بردوا مش عارفه يا عبير
يمكن احنا اللى مش بناخد بالنا من حاجات عدت علينا وادتنا فرصه الحب دى

الحب عمله صعبه اكيد توازن الالماظ كدا
يعنى صعب اوى اللى يقدر عليها

وعقلنا الواعى او الاواعى مش عارفه بشوفهم الاتنين قدامى والان-- بس هما فى كان فعلا يعنى الماضى اللى فى الان هى النفس وبس
انا مع الكاتب دا فى نظريته

البوست دا رائع الصراحه فيه نظره رومانسيه عقلانيه اوى
كعادتك
الى الامام

Humman being يقول...

ياااااااااااااااااه يا عبير كأنك برده للمرة المليون ماسكة ايدى وبتكتبى اللى نفسى أوووووووى أقوله
بس عارفة فى وسط الصحراء اللى أنا وانتى وكتير عايشين فيها خايفة أوووى من حاجة ، خايفة انى أخيرا ألاقى حب وارتباط وبعد سنه ولا اتنين جواز أرجع أعيش صحراء جديدة "صحراء وغربة المتزوجون" الموجودة فى معظم الزيجات الحديثة والتى هى أسوأ مليون مرة من صحراء العوانس اللى احنا عايشنها وساعتها هقول الجملة المعتادة اللى بتموتنى لما بسمعها "أنا عايشة بس علشان أولادى" .
ربنا يستر