الأربعاء، 27 مايو 2009

التهمة... أنثى!!



توقف التاكسى أمام العمارة التى أسكن بها، نزلت منه وأنا أُمنى نفسى بوجبة دسمة بعد يوم عمل طويل. فقد تعدت الساعة الثامنة مساءاً وأنا مازلت على لحم بطنى منذ الصباح الباكر. مشيت بخطواتى الواسعة فى الممر الطويل وشعرت بظل يتبعنى. دخلت مدخل العمارة وقفت فى إنتظار المصعد، تبعنى الظل وكان لفتى فى أوائل العشيرنات لم أراه من قبل، أستنتجت انه ربما يكون عامل توصيل طلبات أو صبى مكوجى أو عامل فى أى من المحلات المحيطة بنا. دخلت المصعد ودخل خلفى. كان شاب مصرى عادى جداً وقف أمامى - مواجهاً لى - فى المصعد الضيق وشعرت أن عينيه تتفحص فتحة القميص لتخترق صدرى. فطالبته أن نتبادل الأماكن لأنى سأنزل فى الدور الرابع وهو أول الأدوار التى يقف عندها المصعد.

أوليته ظهرى وأنا أحمد الله أن سأحظى بحمام ساخن فى خلال بضع دقائق ليزيح عنى إرهاق يومى. توقف المصعد فى الدور الرابع وكنت أستعد لفتح الباب الخشبى فاذا بيد الشاب تقتحم مؤخرتى وانا أخطو أول خطواتى خارج المصعد. إستدرت له وشرر يتطاير من عينى ويداى مشلولتان ومشغولتان بحقيبة الكمبيوتر الشخصى وحقيبة يدى... صرخت فى وجهه بكل ما أُستطاع لى من قوى فى هذه اللحظة. أخذت أسبه والعنه وأتوعده وأهدده. رميت حقائبى من يدى وأمسكت به من قميصه وصرخت أستنجد بجيرانى.

تشبثت بتلابيب الشاب وفى ذهنى أن أصطحبه الى قسم الشرطة ولكنى بحاجة الى شهود وأحد من جيرانى لم يفتح بيته وكان معى Self Defence ولكنى أعلم أن أستخدامه غير قانونى. وللأسف لم يسعفنى أحد من جيرانى الأعزاء ولم يكن لدى الوقت الكافى لإخراج ال Self Defence من حقيبة يدى وفلفص الشاب من بين يدى الضعيفتين. وكان يبدو عليه عدم تصديق رد فعلى. ربما قام بنفس الفعل مع الكثيرات من قبلى ولكنهن تقبلنه من باب الضعف أو الخجل أو قله الحيلة. خلع الشاب شبشبه ووضعه تحت أبطه وأخذ السلالم جرياً. منعتنى سرعته الرهيبة و ارهاقى وذهولى والكعب العالى الذى أرتديه من أن أتبعه، ناديت على محمد البواب كى يسعفنى أو يلحق به وجاوبنى صدى صوتى المفزوع.

جمعت حقائبى التى تمزقت و تبعثرث محتواياتها على الدرجات ودخلت منزلى فى حالة ذهول. ألهذه الدرجة وصل بنا الحال فى مصر ؟!هل أخترق التحرش البيوت التى يُحكى -فى الأساطير- أنها كانت آمنه ذات يوم؟!!.. ما آلمنى عن حق هو رد فعل جيرانى فلم يفتح أحد منهم بابه!! أين هى تلك الشهامة والرجولة المزعومة و التى باتت من فعل الخيال!!!. دخلت غرفة نومى وكأنى مخدرة خلعت ملابسى عنى ووقفت عارية أمام المرآة أنظر الى جسدى.. الى تهمتى ومصيبتى... فلمجرد انى أنثى فأنا مباحة للتحرش. ما حدث معى فى المصعد وما يحدث مع كثيرات غيرى فى الشارع والمدرسة والعمل والمترو والأتوبيس والحرم الجامعى وفى كل مكان حتى فى دور العبادة ليس مجرد تحرش فالتحرش يكون لفظى أما عندما يتطور للمس فى مناطق حساسة فى جسد الأنثى فهذا هتك عرض.. لقد تم هتك عرضى فى داخل بيتى ماذا لو كان هذا الشاب الذى تحرش بى يحمل سلاح أبيض ؟!هل تكون هذه هى نهاية حياتى!! هل حياة الفرد منا تافهة وهينة الى مثل هذه الدرجة!!

لم أغطى جسدى أو جريمتى وخرجت عارية -ربما كانت حيلة نفسية فى اللاوعى لأثبت لنفسى أن جسدى ليس جريمة أعاقب عليها - الى غرفة المعيشة وجلست أمام التليفزيون - كما المنومة مغناطيسياً - أنظر اليه تاره والى الطعام تارة. أستعيد ما حدث لى. . ذلك اليوم كنت أرتدى بنطلون جينز وقميص بأكمام طويلة والحقيقة أنه لا يهم ما كنت أرتديه. فالأنثى فى بلدنا الحبيب مدانة مهما كان غطاء جسدها.. كنت قد تابعت على الأنترنت قضية تحرش تقدمت بها فتاة منقبة الى قسم الشرطة وصدمت الفتاة عندما قال لها الظابط المسؤول: وأيه يعنى لما تتعاكسى.. الشباب بيرفع من معنوياتك!!!

الأنثى بجسدها فى ثقافة الشارع المصرى الحديثة أصبحت صديقة للشيطان. ان كانت جميلة فمصيبتها مصيبة فالأجيال الجديدة -للأسف - تربت على القبح. ان كانت الفتاة غير محجبة فهى فى نظر كثير من الشباب تطلب منهم بشكل مباشر أن يتفحصوا جسدها فلما لا وهى التى أباحت نفسها لهم!!
وان كانت محجبة فدائما ما يعلق الشباب: والنبى ده حجاب برده؟ بص دا ملزق على كل حتة فى جتتها ازاى!!
وان كانت منقبة يكون التحرش جبر خاطر وغالبا ما يقول الشباب: دا تلاقيه راجل ومتنكر!!! أو تلاقيها بتشتغل فى الدعارة ومتداريه فى النقاب!!

مرت على الساعات وأنا فى نفس المكان غير قادرة على الحركة غارقة فى دموعى التى تؤكد ضعفى وقلة حيلتى وأضطهادى فى بلدى. هاجمتنى فكرة أنى ضعيفة ورفضت أن أستسلم لها فنهضت مسرعة وأرتديت ملابسى ونزلت الى الشارع كى أبحث عن ذلك الشاب فى كل الشوارع والمحلات المحيطة بنا وأن أصطحبه الى قسم الشرطة. ليس فقط من أجل أن انتقم لضعفى بل كى لا يتمادى فى هتك عرض غيرى من الفتايات. قابلت محمد البواب الذى سألنى:
- هو حضرتك كنتى بتصرخى من ساعة كده؟
- يعنى أنت سمعتنى بأصرخ وما كلفتش نفسك تطلع تعرف فى أيه؟!
- لا والله يا أستاذه أنا كنت باجيب طلبات للسكان ساعتها
- أمال عرفت منين انى كنت باصرخ؟
- الحاجة سناء جارتك سمعتك بس خافت تفتح لأحسن يكون حرامى ولا حاجة
- قول للحاجة سناء شكراً على أصول الجيرة .. وقولها دا الرسول اللى هى حجت له وصى على سابع جار. وأنا باقولك إن لو أى مصيبة حصلت فى العمارة دى انت أول واحد هاتتساءل عليها ..أحنا بندفعلك فلوسك علشان تحرسنا وتحرس بيوتنا

بحثت عن ذلك الفتى وكأنى أبحث عن أبره فى كومة قش...عدت بعد نصف ساعة منهكة القوى الى بيتى الذى لم يعد آمن بعد ذلك الحين وأغلقت على بابى ورفضت السماح لإحساس الضعف أن يتسلل الى روحى. فلابد أن تتسلح جميع نساء هذا الوطن بالشجاعة لمكافحة العنصرية التى يعانين منها. أليست العنصرية هى تعصب لجماعة أو ضدها على أساس العرق أو الدين أو النوع أو اللون واضطهادها.. أعلن أنى مضطهده فى وطنى لأنى ... أنثى..

الثلاثاء، 12 مايو 2009

حلم...



صعدت السلالم الخشبية، رافعة كعب حذائى العالى قليلاً الى أعلى، كى لا أحدث صريرا بدرجات السلم المتآكلة. كان المكان غارقا فى الصمت...خشيت ألا أجده... دخلت غرفته بهدوء، ورأيته غارقاً فى رمادية مكتبه، يجلس بهدوءه المعتاد، يتحدث فى التليفون. بُهت من شعيراته البيضاء التى أتسعت سطوتها على رأسه.. وهالتنى نحافته. أغلق الهاتف دون استئذان, ونظر فى عينى بحب صامت.. بادلته النظرة بأخرى فرحة برؤياه. أغلق الهاتف، وسألنى إن كان نائماً... جاوبته نفياً، وأقتربت من خده أقبله، فناولنى الآخر فى لهفه, ورفع عينيه الكحيلتين الدابلتين وقال:
- أنا ما نستكيش ولا لحظة
ضممته الى صدرى، وتحسست عظامه الناتئة ... غصت فى رائحته العتيقة - التى أتعرفها على بعد مئات الأمتار ككلب بوليسى مدرب - هى سنوات عمره وعطره الكلاسيكى وعرق حميد محبب الى ممتزجين فى عبق الروم الذى يهواه. جمعت قواى كى لا أتوه ثانية فى متاهاته التى لا أول لها ولا آخر، وسألته عن الفترة التى لم أراه فيها منذ فراقنا. فجاوبنى بأن أوجاع الدهر لا تختصر فى سؤال عابر. أغمضت عيونى وأرتميت فى أحضان حلمى الذى فقدته منذ أمد.

وسمعت صوت ابنتى ينادينى॥ فتحت عيونى وأنا تائهة وحزينة وجدتنى فى سريرى وذراع زوجى الضخمة تطوقنى وشخيره يصم أذنى ورائحته تحاصر أنفى وصراخ ابنتى -التى هجرت حبى منذ سنوات كى انجبها- يعلو تدريجيا.. نهضت من سريرى دون أن أدرى أيهما كان حلماً... وأيهما مازال كابوس।