إشتقت للطبيعة ..وخنقنى حر القاهرة المؤلم.. فعزمت الرحيل الى سيناء.. وهناك بعيدا عن عاصمة المخروسة -عفوا المحروسة - بدأت مشاكلى فى الزوال تدريجيا .. أصبحت قادرة على التنفس بانتظام وعمق... فتحت شهيتى للطعام .. اختفت حالات الأرق... بل أصبحت أتمتع بما يزيد عن ثمانى ساعات من النوم المتواصل يومياً.. انتهى الصداع المزمن .. وهدأت حركة الأفكار فى عقلى ..
بمجرد دخولى «قلعة زمان» أصابتنى حالة سكينة مفاجئة.... هذا المكان السياحى الذى بنى على بقايا قلعة قديمة .. صممت لتحمل زوارها الى أجواء القرون الوسطى.. كل شئ بحمل سحر مختلف.. سحر خاص جدا.. سحر أيام «زمان»..
جلست فى تأمل عميق لكل هذا الجمال المحيط بى.. هذه القلعة المتوارية فى حضن الجبال.. جارها البحر.. حدودها السماء.. كل شئ يسير ببطء ممتع ..حتى مستوى الخدمة.. سبحت لساعات فى حمام السباحة المحفور فى الصخور.. وخرجت أجفف جسدى بحرارة الشمس.. تناولت نظارتى الشمسية وارتديتها.. وارتميت على «الشيزلونج» وأخذت أتأمل الجبال من حولى.. على بعد أمتار قليلة توجد مجموعة من الفتايات يرقصن بحيوية وحب مفرط للحياة.. يثنين أجسادهن النحيلة على أنغام موسيقى «التكنو» ومن داخل القلعة يصلنى صوت «فرانك سيناترا» فى أغنيته «Fly me to the moon»
أشعر بجفونى ثقيلة... لدرجة الإغشاء. .. وفجأة أختفى هذا الأحساس عندما رأيته.. كان كفارس من العصور الوسطى.. طويل.. أسمر.. نحيف بعض الشئ.. له عينان غائرتان.. واسعتان حد توهان الننى .. أراه ينظر فى عينى مباشرة.. يقترب منى.. وقلبى يدق بعنف.. هل يقصدنى؟! ليته يقصدنى!! ما أروعه!!
تقدم منى ومد يده فى أشارة مهذبة لدعوتى للرقص. فكرت أن أرفض طلبه أو أتظاهر بعدم رؤيته.. ولكن ما حدث هو أن مددت له يدى.. فجذبنى اليه بنعومة بيده اليسرى وأحاط خصرى بيده اليمنى وبدأنا الرقص على أنغام «سيناترا»:
Fly me to the moon
Let me sing among those stars
Let me see what spring is like
On Jupiter and mars
Let me sing among those stars
Let me see what spring is like
On Jupiter and mars
كنت كما المسحورة.. تحدثنا ولا أدرى فى أى شئ.. فقط كنت أشعر وكأنى أعرفه منذ سنوات طوال.. هو فارسى من قديم الأزل.. جاء الى فى «قلعة زمان» كى يختطفنى ويحلنى من أسرى للمدنية ..كنت أعلم عنه كل شئ.. اسمه.. جدوده.. تاريخه.. وكل ذلك من نظرته..
وبعد توقف الموسيقى.. مد يده فى الفراغ خلفى.. وأعادها بزهرة القرنفل البيضاء التى أعشقها.. ووضعها بين خصلات شعرى.. وفجأة أخذنى من يدى وجرى كأنه تذكر شئ هام... كانت حركتى بطيئة.. فحملنى بين ذراعيه واستسلمت أنا بكامل إرادتى المسلوبة.. مررنا بدهاليز القلعة المضاءة بالشموع.. فتح احد الأبواب وأخبرنى ان هذه الغرفة تسمى «غرفة الكنوز» واختار لى منها غطاء رأس حريرى أبيض.. وأكمل جريه الى خارج القلعة.. وهناك ركب دراجته البخارية.. وأشار لى بالركوب خلفه.. طاوعته وقلبى يكاد يتوقف عن النبض من فرط السعادة.. فرررروووووومم... هو آخر ما سمعته قبل أن ينطلق بنا ليسكن صوت الريح أذنى.. وزاد من سرعته شيئا فشيئا.. لنسابق الريح.. الجبل عن يسارنا والبحر عن يميننا.. وكنت ممسكه بملابسه .. محتضنه وسطه من الخلف كطفلة صغيرة تخشى الكون بأسره الا هو.. ومالت الشمس للغروب.. فأوقف درجاته البخارية كى نستمتع بقدرة الخالق على الجمال قبل ان يغمرنا الظلام.. وسمعته ينادى اسمى عدة مرات.. ففتحت عيونى لأجد صديقتى تنادى على كى نرحل قبل حلول الليل.. كنت مازلت ممدة على الشيزلونج أمام حمام السباحة .. ومازالت الفتايات يرقصن بجوارى ولا وجود لفرانك سيناترا...
نهضت فى تكاسل .. وخيبة أمل واضحة ترتسم على ملامحى.. وسرت بجوار أصدقائى وأنا أتأفف كطفلة لا تود الرحيل وأمام «قلعة زمان» وجدت دراجة بخارية.. نعم هى دراجته.. ولكن من هو.. وكيف؟ هل كان حلماً؟! أم حقيقة؟ أم هل أنا جننت؟
وكانت قدماى بالكاد تحملانى.. وشعرت أننى أسقط فى ظلمة حالكة وانى أسير للخلف فى ممر ضيق .. وامتصنى الظلام عن آخرى.. وفتحت عيناى- لا أدرى متى- لأجدنى فى غرفتى .. وأخبرتنى صديقتى أنى أصيبت بضربة شمس.. وأيقنت أن فارسى لم يكن سوى نوبة هذيان عاطفى..
ملحوظة: أكد شهود عيان رؤيتهم لدراجة بخارية أمام «قلعة زمان»...