تعيش «حياة» فى بيت الجدة الهادئ فى أطراف منطقة المنيل.. وبالتحديد فى شارع «المقياس».. الذى سمى بهذا الإسم ـ وفقا لحكايات الجدة - لأنه يحوى جهاز مقياس منسوب مياة تهر النيل.. تعشق حياة حكايات الجدة وخصوصا عن المنيل.. تلك الجزيرة المربوطة بباقى العالم عن طريق الكبارى.. تحكى الجدة عن طفولتها فى المنيل فى نفس هذه البقعة عندما كانت فيلا قبل أن يحولها أخواتها الكبار الى عمارة سكنية لتدر عليهم دخلا شهريا بعد المعاش.. يسمى المربع الذى تسكنه الجدة بالمماليك وتروى الجدة سبب هذه التسمية بأن المماليك عندما أتى بهم محمد على الى مصر تعددت محاولات فرارهم.. وكانوا فرسان أقوياء يجيدون كافة فنون القتال وعندهم مهارات عالية جدا ..فاحتار محمد على فى السيطرة عليهم.. وقرر قهرهم بنقطة ضعفهم.. فأرسلهم الى جزيرة المنيل وتركهم بلا حراسة فقد عرف عنهم خوفهم العظيم من المياة وافتقارهم لمهارة السباحة.
وفى ليلة صيفية حارة.. تسحبت حياة من سرير جدتها فى هدوء كى لا توقظها.. وسارت على أطراف أصابعها.. واتجهت الى البلكونة وفى يدها «الخطة ب » و «كشكول الأسرار» لم ترغب فى أنارة لمبة البلكونة فقد كان القمر مكتملا و الأعلان الكبير لشركة السيارات الذى يحتل مساحة لا بأس بها من العمارة المقابلة قد بددا ظلمة الليل.. جلست حياة فى ركن البكونة وبدات فى قراءة «الخطة ب» من سلسلة روايات «رجل المستحيل».. أدهم صبرى.. أنه هوس أختها سلمى التى تكبرها بخمس سنوات.. تحلم به ليل نهار.. وكلما علقت احدى صديقاتها على أى شاب .. تهب بهم سلمى قائلة:
- ودا يجى ايه ده قى أدهم صبرى
بدأت حياة فى قراءة مغامرات أدهم صبرى أو (ن-1) حرف النون يعنى أنه فئه نادرة أما الرقم واحد فيعنى أنه الأول من نوعه.. هو رجل من نوع خاص.. يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة من المسدس الى القنابل ... وكل فنون القتال من المصارعة وحتى التايكوندو.. هذا بالأضافة الى أجادته التامة لست لغات حية.. وبراعته الفائقة فى أستخدام أدوات التنكر وقيادة السيارات والطائرات وحتى الغواصات...
وشردت حياة عن متابعة القراءة.. أن أدهم صبرى يدعو حقا للأعجاب ولكن فارسها مختلف.. وذهبت بعيدا .. بعيدا جدا.. وعندما عادت أخرجت «كشكول الأسرار» الذى تدون به أسرارها الطفولية البريئة. ولأول مرة ترسم بالكلمات حلمها.. فارسها.. وكنت أنا هذا الفارس.. اليكم ما كتبته عنى حياة ابنة العشرة أعوام:
متى ستاتى ايها الفارس؟.. أنا فى انتظارك.. هل ستاتى لى من البلكونة؟ ..لا أعتقد...هل سأقابلك صدفة؟.. أكيد
قرأت فى هاملت أن لا شئ فى الدنمارك يحدث صدفة..كل المنسوب الى الصدف مدبر..
لعل وعسى أن تكون مصر كما الدنمارك.. سأبنى خطتى على هذا الأساس.. وسأدبر صدفة لقاءنا.. ولكن كيف سيكون شكلك؟ سأرسم ملامحك .. بعد إذنك.. أنت وسيم جدا.. طويل ..بس مش حيطة.. مثلا يعنى 185 سم .. أسمر.. بس مش أسود زنجى.. يعنى سمار أحمد زكى كده.. جسمك حلو.. بناتى دى شويه؟ طيب خلينا نقول أنك زى «رجل المستحيل» مفتول العضلات .. بس من غير ضرب نار وحاجات من دى.. وعلى فكرة أنا مش بحب الناس اللى عضلاتهم ضخمة قوى .. أصلهم بيخوفونى.. خليك وسط.. بلاش تبقى هجمة.. يعنى خليك حلو وخلاص.. وأهم حاجة ما يكونش عندك كرش.. ويكون شعرك أسود زى الليل.. وناعم طبعا.. بس ما يكونشى سايح ونايح.. وسط بردوه.. عينيك عسلية.. «ولا قدك ميه يا أبو العين العسلية.. يا أبو عين غدارة ولما بشوفها بادارى .. تهرب من قلبى فاكرها شطارة» أيه الكلام الفارغ بتاع شادية ده؟ لأ مش عايزة عينيك غدارين ولا عايزاك تهرب منى.. عايزة عينيك بلون العسلية وحلاوتها .. آه بالمناسية أنا بحب العسلية قوى... لما تقابلنى صدفة «زى ما اتفقنا» هات لى معاك عسلية ودوم كمان.
نرجع لعينيك.. عايزاهم رايقيين.. صافيين.. ولازم كمان بيقى فيهم شقاوة وذكاء.. بيقولوا عنى أنا كمان كده عينيه مليانين شقاوة.. آه وتكون عينيك حنينة زى عينين جدتى .. مليانين دفا.. وتكون عينيك وااااااسعة ومحفورة جوا وشك .. يعنى تبقى شبه عمر الشريف كده شوية.. بس اوعى تكون بتتكلم زيه!! أصله مثأثأ ومابيعرفش يقول كلمتين على بعض.. وتكون مناخيرك مش كبيرة.. وودانك كمان . وشفايفك مش رفيعة زى ماما ... علشان ما تتطلعش عصبى زيها.. عايزة ملامحك تبقى منحوتة فى وشك زى التماثيل الرومانية.. والأهم من كلللل الحاجات دى تبقى حنين وطيب وبتحب الملاهى والرقص والأيس كريم والشعر والسنيما.. عايزاك لما تقابلنى صدفة تجيلى بقصيدة تحكى لى فبها عن السنين اللى كنت بتدور عليا فيها قبل ما تلاقينى.. تعالى لى على فيسبا صوتها عالى.. يصحينى من عز النوم.. وأقف تحت البلكونة واحدف لى وردة.. أخرج أنا على الصوت العالى ألاقيك قدامى .. لابس بنطلون جينز أسود.. وجاكيت جلد أسود .. ياريت يكون «هارلى» أصلى باشوف «ستيفين سيجال» لابس كده.. وشاور لى أنزلك.. وأنا أقولك لأ .. جدتى جوا... فتطلع الشجرة وتلف دراعك حوالين وسطى وتخطفنى وتهرب بيا... ولا أقولك لأ .. بلاش موضوع الهرب ده جدتى تزعل.. انت تعالى كل يوم لما الليل يحل.. وخدنى وراك على الفيسبا.. ولف بيا قى شوارع القاهرة الفاضية.. واحكى لى عن حبك ليا.. ورجعنى قبل ما الفجر يطلع لحضن جدتى.. أصلى ما بجبش أزعلها.. يا لا تصبح على خير.. هستناك ... صدفة
ملحوظة: عايزلك مؤدب .. يعنى ما تحاولش تبوسنى .. مفهوم!!
سلام
حياة
الحق يقال لقد استوقفتنى كلمات «حياة» البريئة .. المختلفة.. من بين كافة أفكار البنات وأحلامهم.. فقد اعتدت انا فارس الأحلام أن ترسمنى الفتايات بزي ناصع البياض لفارس من العصور الوسطى أمتطى جوادا عربيا أصيلا غالبا ما يكون هو الآخر أبيض.. ودائما أنا طويل القامة .. عريض المنكبين.. الأرجح هى صورة ذهنية شكلتها فى رؤسهن البشاير ألف ليلة وليلة.. فأذهب الى قلاعهن المهجورة لأحررهن من الأسر.. أما هذه الطفلة العجيبة فقد غيرت من زيي وألبستنى أسود أخذت منى حصانى وأعطتنى فيسبا وطلبت منى عسلية ودوم؟!!!
وكان هذا هو سرها وسرى فى دفتر الأسرار.. أحببت هذه الطفلة المنعشة.. بل وأدمنتها.. من خلال رسائلها لى عبر ليل القاهرة.. فكل ليلة بعد أن تتطمئن الى نوم جدتها الهانئ.. تخرج الى الشرفة حاملة كشكول الأسرار .. الذى بمرور الوقت صعب على تمييز هل هو كشكول أسرارها أم أسرارى معها..
هناك 5 تعليقات:
رائع.......
متهيألى فارس الأحلام دى حاجة زى بابا نويل......
لو فيه فارس أحلام بجد وسامعنا أكيد كان زمانه هاجر من البلد من كتر الطلبات
لكن أجمل ما فى الموضوع أنه يكون سامعنا حتى لو مجرد سمع يعنى يدى الواح إحساس أنه مش بيكتب للهواء
مذهلة , مذهلة , مذهلة , دى أقل حاجة ممكن أقولها على حياة وعلى الحلم وعلى الأحساس وعلى البوست كله
ماشاء الله
ايه الابداع ده
والجمال ده
جميله بشكل خرافى
تسلم ايدك
تحياتى
تسلم ايدك بجد يا عبير
حياة دي بجد انسانة مختلفة عن كل البنات اللى بنشوفها
في عشرة الطاولة
في فارس احلامها
في كل حياتها
تحياتي للاسلوب المبدع
بصراحة تسلم الايادي
افكار رائعة وسرد متميز
من اجمل ماقراءت
وشخصية القصة (حياة) اقرب للواقعية ممنها للخيال
إرسال تعليق