الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

حكايات برقوقة (١)




فى الغالب أنا مدمنة... مدمنة فاكهة.. لأن سلوكى فى تناول الفاكهة غير سوى على الإطلاق ... فعندما أعقف «أصابع» الموز- على سبيل المثال- أتحول من بنوتة وديعة لطيفة الى ما يشبه القردة و تحديدا «الأورانجوتان» .. أما عن المانجة فحدث ولا حرج.. أعود الى طبيعتى البدائية التى لا تعرف التحضر... فأحوط فص المانجة بيدى الإثنتين ونظرة استحواذ تطفو على عينى وكأنى عثرت مصادفةً على كنز غالى ... و أتناولها ببطء وتلذذ .. عكس سلوكى مع العنب الذى أبدو وأنا جالسة أما شاشة التليفزيون وفى حجرى طبق عنب من الحجم العائلى وكأنى فى سباق مع عقارب الساعة.. ويا عينى على البطيخ الساقع المتلج فى عز حر يوليو.. لما يروى العطش ويبل الريق.. وياسلام على المشمش ومزازته والخوخ وتسكيرته.. والكيوى وغلاسته.. والرمان ودوشته.. أما الموسم الشتوى آه من البرتقال واليوسفى .. أيه الحلاوة دى!! أقول أيه ... ولا أيه.... ولا أيه!!!

ونتيجة لهذا الحب المرضى المبالغ فيه فأنا أطلق أسماء الفاكهة على كل ما أحب ومن أحب.. كلُُ حسب حجمه ومذاقه.. واليوم أنا سأحكى لكم عن برقوقة:

هى بيضاء اللون.. عسلية العينين.. لها شعر طويل ناعم.. وملامح وجه «مسمسمة» جداً.. .طيبة.. ناعمة الطباع.. هادئة فى كثير من الأحيان ولكن لها شقاواتها التى لا تحتمل فى أحيان أخر.. هى لطيفة جدا.. جداً.. جداً.. ولكن قبل أن أسترسل فى الحكى أريد أن أخبركم أن برقوقة هى قطتى الرومىة التى أهداها لى أخى فى إحدى نوبات ألمى الشديدة وتوجعى من قسوة الحياة على البشر لكى يخرجنى من هذه الحالة و يساعدنى على المضى قدما فى دنيانا المتعبة .. كانت هذه هى أحدى الفترات التى يغيب فيها النور.. وتكثر الآهات وتتبع كل الكلمات المنطوقة والغير منطوقة بتنهدات عميقة.. وتذرف العين قدر المستطاع من الدموع.. التى قد تبلل نداوتها جدب الحياة الدائم.. وتتساءل الروح فى الحاح عن معنى الحياة وجدوتها حين تستعصى الضحكات .. كانت بإختصار حالة إكتئاب من الدرجة الأولى... التى عندها يختفى أنصاف الأصدقاء ويظهر للأنسان سنده الحقيقى. هذه الحالة غالبا ما يسببها الفقد.. فقد عمل.. فقد حبيب.. فقد قرصة ذهبية أياً كانت ... ويتجسد الإكتئاب فى روتين يومى حيث أذهب الى عملى فى الصباح.. أؤدى وظيفتى بدون حماسى المعتاد الذى عُرفت به.. أعود الى منزلى .. أدير جهاز التليفزيون.. وأجلس أمامه بالساعات.. ولا أرغب فى مزاوله نشاطاتى التى لا تعد فى أيامى اللامكتئبة.... آكل بنهم ..وأنام لساعات طوال.. ولا أهتم بأى شئ يجرى من حولى حتى وأن خربت الأرض.. وذات يوم عدت من العمل .. وأتجهت مباشرة الى غرفتى.. فاذا بقطة صغيرة جدا بلون الثلج تدنو منى .. فأقبلت عليها وأمسكت بها فى كفى وسألتها:
- انت مين يا حلوة انت؟
فأجابتنى بمواء ضعيف متقطع يشبه الإيقاع الموسيقى لكلمة برقوقة (أو هكذا خُيل لى) فقلت:
- أنت اسمك برقوقة ؟!... الله دا انت برقوقة حلوة ومسكرة وطعمة طعامة وتتاكلى أكل..!!

وأعادت لى برقوقة سلوك ظننته فقد ولم يعد موجود.. وهو الإهتمام.. صرت أهتم بهذا الكائن الصغير.. بطعامها و شرابها وتطعيماتها.. ورملها «كريه الرائحة» .. فى بداية الأمر تبرمت من مسؤليتها فقد كان على أن أحرص على العودة الى المنزل فى مواعيد ثابتة.. فهى لا تأكل إلا اذا أطعمتها قطعة بقطعة .. وكانت النتيجة أن قيدت برقوقة حريتى الشخصية.. وغيرت من مسار يومى.. فأصبحت وأنا أخطط ليومى أعتبر «الست برقوقة» .. ولكم كان مزعج مثل هذا القيد النفسى الذى كاد أن يخنقنى عندما اضطررت الى البقاء خارج القاهرة لمدة يومين ولم يكن بالبيت من يهتم ببرقوقة.. وعدت الى المنزل وأنا أرتعد خوفا من أجدها قد ماتت من الجوع ..وحدثتنى نفسى أنى لن أستطيع تحمل مسؤلية روح أخرى.. وفكرت مليا فى التخلص منها.. وقررت أن أؤجل قرارى لبعد حين.. وبدأت أقرأ عن تربية القطط.. وأصبحت أسأل أصدقائى «القططيين» عن سلوكهم

وبعد فترة قصيرة منحتنى برقوقة معنى المسؤلية عن الغير.. لطالما كنت فيما مضى شخصية مسؤلة عن نفسى .. عن وظيفتى.. بيتى ..طعامى.. شرابى .. صحتى.. مستقبلى.. كانت مسؤلياتى تتمحور حولى أنا فقط ولم أكن أبدا مسؤلة عن غيرى فطالما تهربت من القيود الإحبارية التى كانت كفيلة بأن تصيبنى بحالة فزع نفسى شديدة.. فسعىى كان دوما للقيود الإختيارية على شاكلة الأصدقاء حيث لا مجال لثقل وعبء حتمية القيد.. كنت أرتعد من فكرة «الجاذبية الأرضية» ويغازل الطيران أحلامى.. لأنعم بخفة الحرية

وفَجَر وجود «برقوقة» فى حياتى عدة تساؤلات : ماذا لو كنت متزوجة؟ ماذا لو كان لدى زوج وأطفال؟ هل كنت سأتبرم من مسؤليتهم؟ ماذا عن حريتى الشخصية؟ ماذا عن إهتماماتى الفردية؟ ماذا عن هواياتى؟ ماذا عن شطحات جنونى المحسوبة للتخفيف من ثقل دم الحياة؟ هل الحرية خيار لا مثيل له؟ وماذا عندما تصبح المسؤلية عبء؟ هل سأستطيع تحمل مسؤلية الغير؟ هل أنا حقا كائن لا تحتمل خفته؟ .

ولسه لحكاياتى أنا وبرقوقة بقية.....

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

اولا حمدالله على السلامه انا بصراحه لسه متابع مدونتك قريب وتقريبا قريتها كلها بس افتكرت انك بطلتى تدوين لان بقالك فتره مكتبتيش حاجه البوست هايل واظن انه عباره عن وقفه كبيره قوى مع نفسك ومحاوله منك لتحليل شخصيتك وعايز اقولك ان دايما الالتزام باى شئ كان بيكون قيد كبير على الحريه مهما كانت تفاهه الشئ ده بس فى النهايه فى مجال للتعايش مع الحريه والقيد مع بعض بس بتبقي الحكايه محتاجه شويه تنظيم وشكرا جزيلا على فكره مدونتك كانت تانى مدونه اضيفها فى مدونتى عشان اقدر اتابعها فياريت مطوليش المده بين كل بوست
ادعوكى لزياره مدونتى وكل سنه وانتى طيبه

Unknown يقول...

هذة كلها أسئلة مشروعة
لكن فى اعتقادى انت الحرية المطلقة بلا قيود تفقد معناها وان الرية المسؤلة الحرية المقيدةهى الحرية المعنية
اعتقد ان الاحساس بالمسؤلية تجاة الاخرين وعن اخرين شئ ايجابى
وكذللك المشاركة مع اخرين Aly Bakry

أحمد (زوج مخنوق ). يقول...

غيبة طويلة المرة دي يا عبير
و بوست جميل بياخدنا جواه كالعادة
الحرية طعمها حلوة قوي بجد
بس صدقيني كتير بتبقى المسئولية طعمها احلى
و خصوصا لما يبقى عندك حب العطاء موجود
بتلاقي نفسك مستمتعة بالعطاء و المسئولية اللى عليكي

r يقول...

المسئوليه هو قرار ارادى وفردى
وغالبا كل من يخاف المسشئوليه فى بدايتها بيكون ادها ما دام الشخص اد مسئوليه نفسه والحفاظ عليها بطريق سليم وصحيح
المسئوليه تعطينا معنى لوجودنا
وبوجود من يحتاج الينا
اى اننا لسنا فقط من يحتاج لمن يكون مسئول عنا
ممكن نقول خاطره جميله فيها معنى كبير
وعميق
دمتى بخير