دخلت أبلة عطيات مدرسة اللغة العربية والتربية الدينية بقامتها القصيرة الممتلئة الى فصلنا الدراسى للسنة الثانية الإبتدائية. راجعت ورقة صفراء مكتوبة بخط اليد فى قلب كشكولها وقالت: المسيحين يطلعوا على الحوش.. دى حصة دين.. قامت «ليليان صديقتى وزميلة التختة وتبعها فادى وخرجا سويا وهما مبتسمان.. فنظرا لعدم وجود مدرس متخصص لتدريس الدين المسيحى - لقلة عدد المسيجين - فى المدرسة تقوم أبلة ماجدة مرقص مدرسة التربية الزراعية بتدريس مادة التربية المسيحية.. و أبلة ماجدة قامت بوضع طفلتها الثالثة فى الأسبوع الماضى فهذا يعنى أن ليليان وفادى سيجلسان فى الحوش الخلفى للمدرسة حتى انتهاءنا من درس الدين...
أبلة عطيات -فى الغالب- لا تشرح شئ حتى فى دروس اللغة العربية : فهى فقط تلقى أو بمعنى أدق «تطرش» فى آذاننا بعض الجمل وتطلب منا تكررارها فى بعض الأحيان.وفى أحيان أخرى لا يعنيها تكرارنا خلفها من عدمه.
تدخل أبلة عطيات تجرر جسدها المترهل ، تفتح كشكولها الأزرق المخطط لتدون الحصص، وتجلس على الكرسى الخشبى القديم أمام منضدة المدرس.. التى تضع عليها حقيبتها القماشية أو الجلدية الكبيرة «دائماً».. تلك الحقيبة التى دائما ما كانت تحرك فضولى وكنت أسرح فى جولة إفتراضية عن محتواياتها.. ماذا قد تحمل أبلة عطيات فى مثل هذه الحقيبة المنتفخة؟ كنت أجول فى خيالى بين كافولة وبزازة وكيس بامية مطلوب تقميعه ونصف كيلو كوسة ومقورة وإبرتين كورشية وبكرة صوف..
تشير «أبلة عطيات» الى إحدى الفتايات غالبا ما تكون «غزالة» وهى فتاة من عزبة تابعة لقرية تابعة لمركز قويسنا.. وأختيار غزالة لأنها هادئة ومطيعة دائما وطوييييلة جداً.. - بالنسبة لقاماتنا التى لم تكن تتعدى المتر فى ذلك الحين -هل تنبأ أهلها وهى كتلة حمراء وليدة يوم أو يومين بطولها المبالغ فيه؟ هل كانت طويلة جداً وهى وليدة؟
تخرج غزالة الى السبورة.. تكتب التاريخ الميلادى والهجرى.. وتملى عليها أبلة عطيات عنوان الدرس وهو اليوم « أحاديث نبوية» ثم أنتبهت الينا وقالت:
طلعوا كراسة الدين.. أكتبوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المرء على دين خليله» صدق رسول الله وعلى غير عادة أبلة عطيات فى التدريس بدأت فى شرح الحديث وقالت: يعنى لابد للمسلم أن يصادق المسلم ويبتعد عن غير المسلم لأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبنا فى الآخرة على إختيارتنا لأصدقاءنا.. فيحشر كل واحد مع صديقه.. علشان كده صادقوا المسلمين علشان تدخلوا الجنة...
تلعثمت وأنا أسأل أبلة عطيات بحزن:
- بس يا أبلة أنا مسلمة وليليان مسيحية يعنى مين فينا اللى هايدخل الجنة؟
- المسلم طبعاً.. وعلشان كده لأزم تصاحبى المسلمين اللى زيك علشان تدخلى معاهم الجنة
- يعنى أنا هادخل النار علشان أنا صاحبة ليليان؟
-أيوا.. المسلمين بس هما اللى هايدخلوا الجنة... واللى يصاحب المسيحى هايحشر معاه
-مين اللى قالك انى هادخل النار
-ربنا اللى قال ان المسيحين هايدخلوا النار
-ليه؟
- علشان هما مش مسلمين
- بس أنا سألت بابا قيل كده ان كنت هادخل الجنة ولا لأ وقالى أنى طول ما بحب ربنا هادخل الجنة.. وأنا سألت ليليان ساعتها وقالت لى انها بتحب ربنا قوى هى كمان.. يبقى ليه بقى يدخلها النار؟
- علشان وزارة التربية والتعليم عايزة كده
- هو ربنا اللى عايز ولا وزارة التعميل؟!
ضاقت أبلة عطيات من منافشتى التى لم ترى لها أى مخرج فطردتنى من الفصل على سبيل التأديب.. وقالت:
-تانى مرة هاتسألى الأسئلة دى هابعتك لأبلة الناظرة تشوف لها صرفة معاكى
خرجت من الحصة جرى أبحث عن ليليان وفادى ووجدتها فى الحوش الخلفى للمدرسة يلعبان «الأولى» وبعد عشر دقائق رن جرس الفسحة فأخرجت لى «ليليان» من حقيبتها سندوتشاتى التى تصنعها لى أمها خصيصا بعد علمت من ليليان أنى أشاركها طعامها كل يوم نظرا لأن أمى امرأة عاملة لا وقت لديها لعمل السندوتشات كل صباح.