السبت، 17 يناير 2009

حصة دين



دخلت أبلة عطيات مدرسة اللغة العربية والتربية الدينية بقامتها القصيرة الممتلئة الى فصلنا الدراسى للسنة الثانية الإبتدائية. راجعت ورقة صفراء مكتوبة بخط اليد فى قلب كشكولها وقالت: المسيحين يطلعوا على الحوش.. دى حصة دين.. قامت «ليليان صديقتى وزميلة التختة وتبعها فادى وخرجا سويا وهما مبتسمان.. فنظرا لعدم وجود مدرس متخصص لتدريس الدين المسيحى - لقلة عدد المسيجين - فى المدرسة تقوم أبلة ماجدة مرقص مدرسة التربية الزراعية بتدريس مادة التربية المسيحية.. و أبلة ماجدة قامت بوضع طفلتها الثالثة فى الأسبوع الماضى فهذا يعنى أن ليليان وفادى سيجلسان فى الحوش الخلفى للمدرسة حتى انتهاءنا من درس الدين...

أبلة عطيات -فى الغالب- لا تشرح شئ حتى فى دروس اللغة العربية : فهى فقط تلقى أو بمعنى أدق «تطرش» فى آذاننا بعض الجمل وتطلب منا تكررارها فى بعض الأحيان.وفى أحيان أخرى لا يعنيها تكرارنا خلفها من عدمه.

تدخل أبلة عطيات تجرر جسدها المترهل ، تفتح كشكولها الأزرق المخطط لتدون الحصص، وتجلس على الكرسى الخشبى القديم أمام منضدة المدرس.. التى تضع عليها حقيبتها القماشية أو الجلدية الكبيرة «دائماً».. تلك الحقيبة التى دائما ما كانت تحرك فضولى وكنت أسرح فى جولة إفتراضية عن محتواياتها.. ماذا قد تحمل أبلة عطيات فى مثل هذه الحقيبة المنتفخة؟ كنت أجول فى خيالى بين كافولة وبزازة وكيس بامية مطلوب تقميعه ونصف كيلو كوسة ومقورة وإبرتين كورشية وبكرة صوف..

تشير «أبلة عطيات» الى إحدى الفتايات غالبا ما تكون «غزالة» وهى فتاة من عزبة تابعة لقرية تابعة لمركز قويسنا.. وأختيار غزالة لأنها هادئة ومطيعة دائما وطوييييلة جداً.. - بالنسبة لقاماتنا التى لم تكن تتعدى المتر فى ذلك الحين -هل تنبأ أهلها وهى كتلة حمراء وليدة يوم أو يومين بطولها المبالغ فيه؟ هل كانت طويلة جداً وهى وليدة؟

تخرج غزالة الى السبورة.. تكتب التاريخ الميلادى والهجرى.. وتملى عليها أبلة عطيات عنوان الدرس وهو اليوم « أحاديث نبوية» ثم أنتبهت الينا وقالت:
طلعوا كراسة الدين.. أكتبوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المرء على دين خليله» صدق رسول الله وعلى غير عادة أبلة عطيات فى التدريس بدأت فى شرح الحديث وقالت: يعنى لابد للمسلم أن يصادق المسلم ويبتعد عن غير المسلم لأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبنا فى الآخرة على إختيارتنا لأصدقاءنا.. فيحشر كل واحد مع صديقه.. علشان كده صادقوا المسلمين علشان تدخلوا الجنة...
تلعثمت وأنا أسأل أبلة عطيات بحزن:
- بس يا أبلة أنا مسلمة وليليان مسيحية يعنى مين فينا اللى هايدخل الجنة؟
- المسلم طبعاً.. وعلشان كده لأزم تصاحبى المسلمين اللى زيك علشان تدخلى معاهم الجنة
- يعنى أنا هادخل النار علشان أنا صاحبة ليليان؟
-أيوا.. المسلمين بس هما اللى هايدخلوا الجنة... واللى يصاحب المسيحى هايحشر معاه
-مين اللى قالك انى هادخل النار
-ربنا اللى قال ان المسيحين هايدخلوا النار
-ليه؟
- علشان هما مش مسلمين
- بس أنا سألت بابا قيل كده ان كنت هادخل الجنة ولا لأ وقالى أنى طول ما بحب ربنا هادخل الجنة.. وأنا سألت ليليان ساعتها وقالت لى انها بتحب ربنا قوى هى كمان.. يبقى ليه بقى يدخلها النار؟
- علشان وزارة التربية والتعليم عايزة كده
- هو ربنا اللى عايز ولا وزارة التعميل؟!

ضاقت أبلة عطيات من منافشتى التى لم ترى لها أى مخرج فطردتنى من الفصل على سبيل التأديب.. وقالت:
-تانى مرة هاتسألى الأسئلة دى هابعتك لأبلة الناظرة تشوف لها صرفة معاكى
خرجت من الحصة جرى أبحث عن ليليان وفادى ووجدتها فى الحوش الخلفى للمدرسة يلعبان «الأولى» وبعد عشر دقائق رن جرس الفسحة فأخرجت لى «ليليان» من حقيبتها سندوتشاتى التى تصنعها لى أمها خصيصا بعد علمت من ليليان أنى أشاركها طعامها كل يوم نظرا لأن أمى امرأة عاملة لا وقت لديها لعمل السندوتشات كل صباح.

صدفة



دخلت «ورد» حفل الكريسماس لتجد حشوداً من الأجانب، معظمهم من الفنانين أو خبراء الشركات العالمية المقيمين فى مصر. ومجموعة لا بأس بها من رجال الأعمال المصرين، الجميع -نساء ورجال- متأنقين. كل بطريقته.. فالتأنق مدارس. ولكل منهجه وسلوكه. فمعظم الرجال فى بدل داكنة والنساء يتألقن فى فساتين السهرة. ما بين التنورات القصيرة و»السواريهات» الكاشفة لمفاتن الصدور والسيقان والأرداف.. وهناك مجموعة من الغير تقليدين يرتدون الجينز ولكن بشكل لائق لحفلة مسائية.. كل يتألق بطريقته.. آما «نورا الأمورة» الراقصة الأرجنتينية ،صاحبة الحفل فهى كالمعتاد تبالغ فى أظهار أنوثها.. فهى الليلة ترتدى فستان أسود شفاف مطرز من أعلاه الى أسفله.. تستطيع عبر التكوينات الخرزية أن ترى حدود «الجى سترنج» والسوتيان الأسودان اللذان ترتديهما.. تضغ أقراطا ماسية يجذب ثقلهما حلمتى أذنيها بقسوة.. لتُشهد الحضور ثراءها وأنوثها فى كل ما ترتدى.

مرت «ورد» بين الجموع فى شقة نورا الواقعة فى الدور الثلاثين فى أحد أبراج كورنيش المعادى.. كانت تشعر وانها انتقلت الى أرض أخرى غير أرض مصر.. تتهكم بداخلها قائلة: هما الأجانب إحتلوا البلد أمتى؟ تبتسم وتتبادل أطراف الحديث مع هذا تاره وهذه لبضع دقائق.. فهى لا ترى سوى عدد قليل جدا من المصريين.. أما النساء المصريات فلا وجود لهن فى بيت الراقصة الأجنبية... ف "ورد"هى الصديقة المصرية الوحيدة لنورا منذ انتقالها للعيش بمصر منذ أكثر من عشر سنوات.

تجول ورد بين الحضور كفراشة رقيقة.. وتتبعها العيون.. فهى جميلة دون شك.. وأجمل ما فى جمالها هو الطابع الشرقى الخاص جداً الذى تلمح تقديره فى عيون الناظرين... لطالما عاشت على أنها متوسطة الجمال.. لم تكن أبدا نموذج للجمال بين أبناء وطنها.. أما الآن وهى بين جموع الأجانب تعلم أنها جميلة جداً.. فشعرها المتموج الذى طالما أشارت له العيون فى طفولتها بالأشعث.. الآن فقط هو مصدر جمالها.. ليس كل جمالها بل بعضه.. فسمرتها النيلية فى هذا المجتمع البديل ما هى سوى محض جمال أستثنائى.. جمال من نوع خاص جداً.. ولقوامها الممتلئ بعض الشئ وأستدارته الوضحة بصمة خاصة بين الأجساد النحيلة للباقى نساء الحفل.. أخذت تطوف بين هنا وهناك..تشع جمالا تلحظه العيون.. تشارك فى حوارات عبثية لإناس لا تعرفهم عن قرب.. جابت عينيها البيت الذى تحفظه ذاكرتها.. لم تكن تتفقد البيت.. بل كانت تبحث عنه.. عن «عُلَّى».. تعلم أنه سيحضر..

فلهذا البيت وهذه الحفلة وهذا التاريخ من كل عام ذكريات مشتركة بينهما.. شهد هذا البيت لقائهما الأول..وحبهما المستتر عن العيون.. وانتهاء حبهما بعد مرور السنين.. وحتى بعد الفراق .. دائما ما كانا يتقابلان فى صدف مدبرة.. فلعلاقتهما تاريخ حافل من الخناقات ..شهد هذا البيت معظمها.. ربما كان يتصنعان الخلاف .. كى يتصالحا بعده .. فللسانها الحلو فعل السحر على عقله مسلوب الإرادة فى حضرتها.. تقابلا صدفة فى هذا البيت.. هو أستاذ جامعى.. وهى موظفة فى شركة كبرى.. تقابلا بلا موعد.. صدفة.. وأفترقا تدبيراً.. كان يخشى أن يسرق هو سنوات عمرها.. عشقها بشكل استثنائى لسنوات عمره الأربعين.. وهى أحبته بكل شبابها النضر.. خشى عليها من فعل العمر.. ومن تقلباته المزاجية الحادة.. التى قد ترسله بعيداً عنها ذات يوم فى مستقبل بعيد أو قريب.. فهو ابداً لا يدرى شيئا عن نفسه.. ولكن واثق من شئ واحد أنه لا يريد تكرار تجربة الزواج التى تركت له فى عنقه مسؤلية مطلقته وابنته التى مازال يشعر بالذنب فى عدم قدرته على توفير حياة طبيعية لكليهما بعد غدره بهما كما تتهمه مطلقته... أما ورد فبداخلها شراسة تجاه كل ما يستعصى عليها.. وكأن الحياة فى تجربتها القاسية «تُؤخذ بالذراع» .. ولكنهما لم يقاوما دوامات الهوى التى سحبتهما بداخلها.. فدارا متعانقين الى أن سحبهما الدوار ليسقطا فى قاع الهوى السحيق.

وكان الفراق واجب لابد من أدائه.. فلا هو يستطيع أن يؤمن نفسه لها ضد آدميته ولا هى تستطيع الإستغناء عن حلم الأمومة.. وإفترقا بمرارة من جانبه وعنف ومرارة أكبر منها.. لم يغفر لها رعونتها ولم تسامحه يوما على دموعها التى ما تزال تروى خدودها الخمرية فى كل مرة تتأكد أنها مازالت تقف فى محطته وكأن جميع الحافلات لا تتجه الى مسارها.. رحل هو.. وأصرت هى أن تفوته.. فطريقهما أبداً لم يكن واحداً.. هى تريد الذهاب الى الجنة كما تحلم.. أو كما علموها أن تحلم.. وهو لم يعد يؤمن بالجنة على الأرض.. وله مشاوير سابقة تعلم منها أن الجنة «حلم» لابد أن يبقى فى الأذهان.. كى يتحمل البشر وعورة الطرق.. صدمها عندما أبلغها أن الجنة وهم.. وأن الجواز يقتل الحب بروتينيتة التى لا فرار منها وبكت بحرقة شديدة وقالت له:
-سيبنى أتأكد بنفسى.. ليه تحكم على تجربتى بالنقصان.. عقلى بيقول لى ان الجنة حلم .. بس جوايا اللى بتسميه انت «بخبرتك» سذاجة الحالمون.. باحلم انى أحقق اللى ماحدش قدر يحلم بيه
كانت ترى فى عيون كل المحيطين بها من المطلقين والمتزوجين بقايا أحلامهم «بالجنة» التى تكسرت فى مطبات الحياة وعلى أبواب الزواج.. ولكن تجربتها الذاتية أبداً لم تكتمل.. قالوا لنا جميعا ونحن صغار أن النار تحرق.. من منا لم بقربها؟! من منا لم يحلم يوما أنه ربما يكون «إبراهيم» آخر لا ينكوى بالنار؟! من منكم لم يجرب بنفسه؟

قتل «عُلَّى» حلمها فى الحب.. فجرحته «ورد» وهربت قبل أن يتحقق ما قالته له عن كرهها له.. كل امرآة تقول لرجل أكرهك.. عليه أن يعلم أنها متيمة عشقاً.. فالمرآة عزيزى الرجل تفتقر الى التمييز بعض الشئ خصوصا فى المشاعر.. تلتبس عندها المعانى ..ولكنه إلتباس حميد.. أساسه عمق الإحساس

جالت ورد بعينيها فى المكان تبحث عنه.. وعندما وجدته تلعثمت وأضطربت كأنها أبداً لم تتوقع رؤيته.. يالا عجب النساء!! ألم ترتدى هذا الثوب تحديدا لأنها تعلم أنها ستقابله!! تعلم أنه يهوى النظر الى صدرها الفتى فارتدت هذا الديكولتيه الصارخ كى تأسر عيونه.. ألم تأتى الى هذا الحفل لتقابله!! ألم تتزين لأنها تريد أن يراها جميلة ومثيرة كعادتها معه!!

أرتبكت ورد عندما شاهدته فى البلكونه المطلة على النيل وتوترت حركتها بعض الشئ.. وسحبت نفسها الى الحمام وهى مازالت تحمل فى يدها كأس النبيذ الأحمر.. هربت الى الحمام .. تأكدت من إغلاق الباب خلفها.. ونظرت الى انعكاس صورتها فى المرآه على ضوء الشموع التى اهتزت اضاءتها بفعل تيار الهواء الذى صنعته حركة الباب عند أغلاقه.. وأرتشفت جرعة كبيرة وسريعة من النبيذ وسحبت شهيقها بعمق من لم يتنفس فى الثوانى السابقة وربما التالية.. كتمت نفسها فى صدرها لبضع ثوان وأطلقته من فمها فى بطء مريح بعض الشئ.. كانت كمن يدرب أنفاسه كى لا تتأثر بأفعالها القادمة.. وخرجت لتواجه الحفل .. أتى اليها .. اقترب منها بتحفظ الوجل.. وأرسل سلامه فى أشارة يد بعيدة .. كان وسيما كعادته.. وكانت أنثى ككل لحظاتها.. لم يكن لديه شجاعتها .. فقررت الأقتحام وطالبته أن يتحدثا على أنفراد.. لمسته.. لتوقظ حبها المخبأ بين ثناياه وهى تقول:
- أحبك لا لشئ يفهمه العقل... أحبك ولطالما تشاجرت معك.. أحبك لأنك فتحت طاقات خفية فى روحى لم أكن أعلم عنها يوماً شئً.. أحبك بالرغم من كل شئ... أحبك لأنى أحبك وفقط
انه الحب أيها السادة.. عفوا فلا سادة فى وجود الحب.. فالجميع عبيد والحب هو السيد الوحيد.. فان اردت السيادة على عقلك فكبل القلب بعيدا عن الحب.. جاوبها بعناد الخصوم فى بداية الأمر ولكن سرعان ما لان من فعل أناملها التى مازالت تلمس يده منذ السلام الأول.. وأحترقت أنفاسه وخرجت لهيبا وهو يقول:
-أحبك يا نورى.. بلا خجل.. وبلا تردد.. ولكن بالكثير من الشجن.. فأنا نايك الحزين.. ماأنا يا عمرى الا قطعة «بوص» وأنت الوحيدة صاحبة موهبة العزف عليها .. وبدونك لا أكتمل..

مالت عليه فى الحال تقبله والتهم شفتيها برقته المعهودة ونسىا الجميع.. لم يكن ذلك من طبعه فهو يخجل أن يعبر عن إحساسه أمام الناس.. كيف له وهو الأستاذ الجامعى ان يراه أحد -حتى وأن كان لا يعرفه- فى موقف ضعف.. أعنى فى لحظة حب..
لم يكترثا كثيرا بالحفل ولا بناسه ولا طعامه الآرجنتينى الذى تجيد نورا الأمورة طهيه ولا برقص نورا أو أى من جميلات الحفل.. اللاتى لم ينسى أن تمر عيناه عليهن مقدراً جمال عيون هذه ورقة تلك.. ولكن لعيونه أن تفعل ما تشاء أما قلبه فهو بيتها الذى لا تملك مفاتيحه سواها

كم تعشق هى «على» بمكره.. وصعلكته.. ورقته.. ووسامته.. ورقيه ..هى فقط تحبه.. ولم يعد يعنيها الأمل فى حبه.. كل ما تريده هو أن تبثه مشاعرها فى هذه الليلة فقط.. إلتقطها بين ذراعيه النحيلتين وضمها الى صدره ورقصا متعانقين حتى أنصراف الجميع.. وتنبها الى الهدوء من حولهما.. ونظرا حولهما لم يجدا سوى «نورا» تنظر أليهما بشغف مليئ بالغبطة.قررت ورد الأنصراف.. وطالبها «على» بمهاتفته ذات يوم ربما ... فاض نهر حنان من قلبها ولمسه حتى لانت أفكاره وهى تقول:

-سأقابلك صدفة دون مواعيد مسبقة.. أعلم أن الكون سيرسلك لى فى مكان آخر.. لن أهاتفك.. لن أسعى للقائك .. ولكنى أعلم عن يقين أنه آت.. فلا تفزع عندما ترانى صدفة فى يوم ما

ضحكا وتعانقا وقبلا الخدود والشفايف.. كانت لحظات من نور.. وأفترقا ليتقابلا صدفة من جديد.. كلاهما يملأه اليقين بأهميته عند الآخر.. وكلاهما يشكان فى إمكانية أن يكون الحب بمثل هذه الرحابة.. ومجردا من أى غاية

السبت، 10 يناير 2009

القاهرة ليل داخلى (٥)

خرجت من «أفتر أيت» وأنا شبه مخمورة.. فقد انصرفنا جميعا ماعدا أيهاب فى حوالى الثالثة والنصف صباحاً... ربما يريد مزيداً من السكر كى ينسى ردى علىه الليلة.. وربما قرر المضى قدماً فى ليل القاهرة حتى العثور على مبتغاه.. جلست فى المقعد الأمامى لسيارة دعاء .. وجلس أسماعيل فى المقعد الخلفى.. دارت دعاء فى شوارع القاهرة بلا هدف .. لا تريد أن تذهب وحيدة بدون أسماعيل ولكنهما بالرغم من خطوبتهما وبالرغم من عدم وجد حواجز نفسية لمبيتهما معاً الا أنه توجد حواجز مجتمعية لا يستطيعان تخطيها.. فهما لم يجدا بعد المكان المناسب لفعل الحب.. فدعاء تعيش مع أخيها وإسماعيل يعيش مع صديقه فى شقة صغيرة فى احدى حوارى السيدة زينب.. بعد اللف فى الشوارع بلا هدف سوى البقاء مع أسماعيل دقائق أضافيه أوصلناه لميدان السيدة وأتجهنا الى المنيل.. ودعتنى بحميميتها المعهودة وتواعدنا على لقاء قريب .. صعدت الدرج متمهلة على غير عادتى .. لا أريد أن أصل الى داخل المنزل .. لا أريد أن أبقى وحيدة كما أنا دائماً ... فبعد طلاقى من معتز وأنا وحيدة .. لا أنا وحيدة منذ وفاة جدتى ومن بعد انتهاء علاقتى بخالد... يااااااه .. خالد هو الحب الأول وربما هو الأخير ولكنه ماضى أليم... لا أريد استرجاعه الآن.. يكفى أنه كان سبب زواجى من معتز... فبعد وفاة جدتى.. تركنى خالد دون أسباب وعلمت بخطوبته من زميلة له.. وكان رد فعلى الطبيعى «المعاكس للأتجاه والمساوى فى المقدار» أن تزوجت أنا الأخرى.. تزوجت من معتز دون أى ضعط من أى كائن على سطح الأرض .. وسافرت معه الى كندا لإنهاء رسالة الدكتوراة ... ودام زواجى أربعة أشهر... أمضى معتز ثلاتة منهم فى المستشفى لأجراء عملية فى الأمعاء.. مرضته لأنه ابن عمى لا لأنه زوجى.. كانت علاقتنا الحميمية غربية جداً.. لا أتذكر منها الكثير.. ربما التقينا فى الفراش مرتين أو ثلاثة .. لا أتذكر.. لم يمسسنى لمدة أسبوع بعد الزواج... كنت غير عذراء فهو كان يعلم بقصة حبى لخالد ولم يسألنى عن شئ ولم يعترض على أى شى.. وبعد خروجه من المستشفى وفى أول لقاء حميمى بيننا وبعد أن تجردنا من ملابسنا توقفنا فجأة وعلمنا أننا لابد أن نكف عن هذه التمثيلية الهزلية.. أنا أعلم أنه مثلى وهو يعلم بحبى لخالد.. هو تزوجنى ستار وأنا تزوجته كنوع من الهروب.

وبعد الطلاق عدت الى القاهرة .. الى منزل جدتى.. رفضت العيش فى بيت ابى بعد زواجه... ومنذ ذلك الحين وأنا أتخبط فى الحياة وفى العلاقات.. فتحت باب الشقة وأرتميت على الكرسى المجاور للباب .. وأنا أتساءل لماذا لم أقبل دعوة إيهاب الليلة؟ .. ألم أجده شخصا لطيفاً؟.. حتى وإن لم يكن.. أليست الصحبة خير من صدى صوتى؟ قمت واتجهت الى غرفة التوم وخلعت ملابسى وألقيتها على الآرض الخشبية وأستدرت أتفحص جسدى الخمرى المتناسق فى المرآة.. نظرت أمامى وقلت وكأنى أحدث حشوداً من المراقبين:

- نعم أيها البشر!!!! .. أيها البشر اللذين لم يصبحوا بشرا منذ أمد!!! أمد بعيد!!1 .. نعم أريد رجلا.. أريد زوجا.. وما العيب فى ذلك؟.. أريد حضنا يحتوينى كل ليلة .. أريد رجلا يهتم بفرحى.. بألمى .. بوجعى .. بسعادتى.. بفشلى .. باحباطاتى .. بدموعى .. بضحكاتى .. رجلا يهتم بتفاصيلى بأكملها..أريد جسدا فتيا يشبع جسدى الثلاثينى الذى يزداد جوعه يوما بعد يوم...
ولكن زمن الرجال انتهى .. حتى فى الفراش .. الجميع عجزة ولكن بدرجات متفاوتة.. يريد الرجال أجساد يفرغون فيها رغباتهم.. ولكن دون أية مسؤلية .. حتى مسؤلية إشباع الجسد بإنتظام .. والحجج تزداد تنوعا يوما بعد يوم .. بازدياد الرجال لباقة

وأنهمرت دموعى وعلا نشيجى.. وأرتميت على الأرض .. أنعى هلوساتى الحزينة.. فان عاد الوقت الى الخلف وعرض على أيهاب عرضه مرة ثانية سأوافيه بالرد ذاته.. فأنا لا أسعى للجنس.. أنا أريد حبيبا .. لا رجل .. أتذكر علاقتى الأخيرة -منذ عام ونصف تقريباً - كان الطرف الآخر شبه عاجز جنسيا .. ولكنه كان يحضننى وهو نائم .. كان يمسك بيدى فى عز نومه .. وكأنه يخشى أن يفتح عينيه فلا يجدنى .. كان كثيرا ما يطبطب على ظهرى دون سبب وكأنه يواسى حزنى الغير معلن .. أتذكر ذلك اليوم الذى سقطت من على الدرج واصبت بجرح ما زال يترك أثاره على ظهرى حتى الآن .. كان يغير لى على الجرح ودموع محبوسة فى عينيه مع كل أهة تصدر عنى .. فى هذا اليوم كنت على أتم الاستعداد للزواج منه ... كم كان حريصا فى هذا اليوم ألا يؤلمنى حضنه .. ألا تثير ذراعيه الملفوفين حول جسدى الواهن جراحى .. وددت لو طلبنى للزواج .. بالرغم من عجزه الجنسى .. فقط من أجل حضن دافئ تستطتع الأنثى أن تفعل أى شئ .. أيا كان حتى اهمال انوثتها .. وكى أكون واضحة فقد كانت له من الحيل ما يشبع بها جسدى .. كى يعوضنى عن عدم مقدرته .. ولكن فى كثير من الأحيان كنت أنظر اليه وهو يجاهد كى يحافظ على بقائه بداخلى بالرغم من عدم انتصابه الصريح وأتمنى رجلا حقيقى .. عفى .. لا بقايا رجل .. والمضحك فى هذا الشأن أنه كان يظن نفسه مارد .. جبار .. لا مثيل له .. والأكثر كوميدية من هذا كله .. انه فى بعض الأحيان كان يمنحنى متعة جسدية كما لم أحياها من قبل .. ربما كان حضنه هو السبب ..

ولكنه يوما لم يسألنى الزواج بشكل جدى .. وبمرور الوقت فررت من عجزه الذى سبب لى «الديسك» من كثرة محاولاته الفاشلة المستمرة .. التى يبدُ انه لا يعلم عن فشلها شيئا .. خصوصا بعد أن أصبح الحضن منسيا فى معاركه التى لا حيله له فى كسبها .. فقدت حضن أحتوانى وأدفأنى .. ولم أحزن كثيرا عليه فالحسرة تملأنى ولا مكان لحزن جديد ..

أنه «أحمد سالم» «الأمبراطور» كما يطلقون عليه.. النجم السينمائى الأول فى مصر والوطن العربى .. وزير النساء اللامع .. وعندما تناقلت الأشاعات عن مغامراته الجديدة مع المطربة اللبنانية «الصاروخ» سقطت فى نوبة ضحك هيستيرية ... هم يضحك وهم يبكى .. فليسعد سعيد بسعيدة ... فالجميع عجزة ...

وأنا أولهم .. فأنا عاجزة عن ايجاد حضن رجل غير عاجز عن الحلم .. أريد رجلا .. أريد من يحمينى من وحدتى ... أريد من يحمينى من نفسى .. أريد من يحمينى من حزنى .. أريد من يحمينى من ليل القاهرة الموحش.