قصة حقيقية من واقع الصعيد المصرى جرت أحداثها بدءاً من عام 1955 حتى الآن
- العُُدََّّّيْْسََات 1959 - أنا فاطمة.. أخت سالم.. أبلغ من العمر خمسة عشر عاما, بدأت مأساتى عندما قابلت طليقة أخي "ألطاف" تحت السقيفة فى مدخل العُُدََّّّيْْسََات وأنا فى طريقى إلى بيت صديقتى مريم فى شق النصارى, قابلتنى ألطاف بدموع غزيرة منددة بما فعله بها أخي فقد طلقها منذ أسبوع لتصبح أول حالة طلاق تشهدها قريتنا. الطلاق فى الصعيد من المحرمات المجتمعية بالرغم من كونه محللاً شرعا, وإن كان أبغض الحلال عند الله.
أصبحت ألطاف حديث أهل القرية. تعاطفت معها وإحتضنتها, وكففت دموعها الملتاعة. طلبت ألطاف منى أن أصطحبها الى دار أبيها فمن كثرة دموعها لا تستطيع أن تتبين طريقها بمفردها. وافقت على الفور فهى لا حول ولا قوة لها. وعند باب الدار هممت بالإنصراف فإذا بألطاف تسقط مغشيا عليها. صرخت بكل ما أوتيت من قوة أنادى أهل الدار. فخرج الشيخ محمود وزوجته "والدا ألطاف" وحملاها إلى داخل الدار وساعدتهم لوضعها فى فراشها. وبمجرد أن دخلنا الغرفة واستلقت ألطاف على سريرها فتحت عيناها ورفعت حاجبها الأيمن وارتسمت إبتسامة ساخرة على شفتيها. نظرت للشيخ محمود فإذا به يغلق باب الغرفة ويهم بخلع ثيابه. أما أم ألطاف فقد تلقفتنى بين ذراعيها وهى تحاول تجريدى من ثيابى. وما حدث بعد ذلك بالكاد أذكره.
- أنا مريم.. صديقة فاطمة, تشاركنا نفس يوم الميلاد, وجمع هذا الحدث بين أسرتينا. فكبرنا سويا.. وتشاركنا كل شئ.. الألعاب.. الملابس.. الطعام.. الإهتمامات.. فنشأنا متشابهتين فى كل شئ. كنا لانفترق إلا أيام الآحاد. فأنا مسيحية و فاطمة مسلمة. كنت أذهب مع أسرتى كل أحد إلى كنيسة دير القديسين بجبل الطََّّوْْد فى البر الشرقى لمدينة الأقصر. حيث كان أقباط 14 قرية -تابعة لمدينة الأقصر- يسكنها أكثر من 1300 أسرة مسيحية,لايجدون مكانا يصلون فيه إلا دير القديسين. فكان أكثر من ثمانية آلاف قبطى يقطعون عدة كيلوميترات للصلاة وعماد الأطفال وزواج الأبناء والصلاة على موتاهم. حلمت أنا وفاطمة فى طفولتنا بكنيسة فى العُُدََّّّيْْسََات كى لا نفترق كل أحد.
- أنا سالم ولدت عام 1938 لأسرة صعيدية فقيرة. عشت طفولتى و شبابى فى العُُدََّّّيْْسََات مع أبى وأمى وأختى الوحيدة فاطمة التى تصغرنى بخمس سنوات. كم أعشق هذه الطفلة الجميلة. هى بالنسبة لى مصدر الحياة. يكفينى أن أرى إبتسامتها الودودة كى تهون على مصائب الكون. كانت أمى هى صاحبة الكلمة فى الدار - كحال معظم نساء الصعيد- أما والدى فكان وجوده شرفى. ولكن أمام الناس كانت أمى حريصة أن تظهر والدى هو صاحب الكلمة العليا والكل فى الكل. أنا الوحيد المتعلم فى أسرتى. صممت منذ صغرى على إستكمال تعليمى حتى التحقت بجامعة الأزهر فنزحت إلى القاهرة. ولكن أجازاتى السنوية كنت أقضيها فى حضن عائلتى فى العُُدََّّّيْْسََات, التى يكمن فيها حبى الأول "مريم" ابنة عم ملاك وصديقة طفولتى أنا وفاطمة. فبالرغم من أن المسحيين كانوا يقطنون منطقة خاصة فى القرية يطلق عليها (درب النصارى) أو (شق النصارى) الا أن بيوت القرية فى أى منطقة كانت مفتوحة للجميع. كنا ونحن أطفال نلعب "الحََجْْلة" فى مدخل درب النصارى الذى كان عبارة عن شارع ضيق يبلغ عرضه حوالى ستة أمتار. ومنذ ذلك الحين وحب مريم متأصل فى روحى.. ولكن لم أقدر يوماً على البوح به حتى لذاتى .. فمريم قبطية وأنا مسلم ولن يقبل أحد بهذا الحب المحرم.
فى السابعة عشر من عمرى وفى إحدى أجازاتى السنوية قابلت ألطاف. فتاة صعيدية جميلة لا أدرى ماذا حدث لى عندما نظرت فى عينيها إجتاحتنى مشاعر قوية لم أقدر على تفسيرها, فهرعت الى أمى كى تزوجنى إليها. ففى ذلك الحين كان سن الزواج فى الصعيد يبدأ من الرابعة عشر. ولكنى صدمت برفض أمى. وصارحتنى أنها لا ترفض فكرة زواجى ولكن ما ترفضه هى تلك العائلة ولم تزد حرفا واحدا. ورفضت بإصرار وصمت. ولأنى ابن أمى فقد ورثت عنها العند والإصرار وصممت أنا الآخر على الزواج من ألطاف. وليتنى سمعت نصيحة أمى فقد كان زواجى بألطاف بداية مأساة أختى فاطمة.
- أنا ألطاف زوجة سالم. وابنة الشيخ محمود, لم يكن والدى شيخاً بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة فهو لم يقم بدراسة علوم الإسلام ولكن لقب الشيخ أطلق عليه لإشتهاره بأعمال السحر ليس فقط فى العُُدََّّّيْْسََات ولكن فى صعيد مصر كله. كانت تأتيه الجموع من أجل تيسير الأمور وبالأخص لربط الرجال الذى تلجأ اليه بعض النساء للإنتقام من أزواجهن إذا ما أقدموا على الزواج من أخريات. فكان الربط هو السبيل الوحيد لجعل الزوج غير قادر جنسيا إلا مع الزوجة التى قامت بربطه. وربما كان عمل أبى هو السبب فى رفض أم سالم زواجى بإبنها.
كنت معجبة بسالم ولكنه كان بعيد المنال فهو الجامعى الوحيد فى العُُدََّّّيْْسََات فلم أجرؤ قط على الحلم بالزواج منه. و لخبرة أمى بأمور الحياة بل ولفهمها العظيم لأمور الرجال طمأنت قلبى. وعلمت منها أن أبى صنع عمل سفلى لسالم كى يقربه منى ويزوجنى له. وفى صيف 1955 طلبت منى أمى أن أذهب الى السقيفة فى مدخل القرية لأبتاع لها قليلا من الكيروسين – المعروف لدينا بإسم الجاز- اللازم لإنارة البيت. وأنا فى طريق عودتى إلى دارنا قابلت سالم فارتبكت وسقطت زجاجة الجاز من يدى فإقترب منى لمساعدتى وربما لنتجاذب أطراف الحديث. وبعدها بليلتين دق باب الدار فإذا به سالم يطلب يدى من أبى ويطالب بسرعة إتمام اجراءات الزواج قبل إنتهاء أجازته. علمنا منه رفض أهله لزواجه, فصمم والدى على ألا يكسر قلبينا. تزوجت سالم فى غرفة فى دار أبى و بعد سنة رزقنا الله بطفلة جميلة, أصر سالم على تسميتها فاطمة على إسم أخته.... و ليته لم يفعل فقد أصابتها لعنة الإسم.
- أنا فاطمة.. ابنة سالم.. سُُميت على إسم عمتى الغالية التى يعشقها أبى. أما أمى وجدتى كانتا تناديانى ب" اللى ما تتسمى" كنت أعلم أنهما لا تحبان عمتى, ليس لعيب بها ولكن لحب أبى العميق لها, ولأنها تمثل حب أبى لأسرته التى رفضت زواجه بأمى, و أيضا لكونها صديقة مريم التى أستشعرت أمى حب أبى الدفين لها. كنت أرى عمتى فاطمة بين الحين و الآخر عندما تسترق بعض الزيارات –بدون علم والدتها- لدارنا كى تطمئن على, خاصة فى فترات غياب أبى فى المواسم الدراسية.
أنا الآن عمرى ثلاثة سنوات. أبى فى القاهرة وأمى وجدتى مشغولتان بأعمال الدار أما جدى فهو يحلق الآن ذقنه. يضع جدى أمامه مرآة صغيرة وبجواره كوب به ماء فاتر. يضع قليل من معجون سميك على ذقنه ويحركه بأصابعه المبلله فى حركة شبه دائرية فيصنع رغوة كثيفة يكشطها بشفرة قديمة صدئة وينظف الشفرة بين الحين والآخر فى كوب الماء. راقبت جدى مراراً وهو يمارس عملية الحلاقة هذه. كان يستهوينى ذلك الكوب الشفاف الذى يحوى سائل أبيض تعكره بعض ذرات شعر جدى العائمة على سطح الكوب. الآن سأقدم على تذوق هذا المشروب الجبار, ترى كيف سيكون مذاقه؟! قام جدى بعد الإنتهاء من حلاقة ذقنه ليغير ملابسه استعدادا للخروج, فسارعت بالإمساك بالكوب, وارتشفت محتواه عن آخره.
- هاتفتنى زوجتى ألطاف لتبلغنى بموت ابنتنا فاطمة, فتركت دراستى وهرعت إلى العُُدََّّّيْْسََات كى أدفن صغيرتى التى لم تتجاوز بعد الثالثة من عمرها. مُُلئت بحزن مرير كمرارة العلقم, وصببت عظيم غضبى على زوجتى وأسرتها, فلولا إهمالهم فى رعاية فاطمتى لما آلت الى مثل هذه النهاية المؤلمة.. كنت كلما نظرت الى ألطاف أرى ابنتى المفقودة فى عينيها. كانت مشاعرى تجاهها قد ماتت فبسببها خسرت أهلى, وخسرت كل شئ, زاد من غضبى عليها أقاويل الناس فى العُُدََّّّيْْسََات, فقد كان الناس يتهامسون سرا بأنى ضحية عمل سفلى للشيخ محمود. ولكن لم يعد هناك ما يربطنى بها بعد الآن.. ماتت المشاعر.. وماتت إبنتى.. فطلقت ألطاف طلقة بائنة, وذهبت الى أمى لأدفن حزنى فى أحضانها.
- أنا فاطمة.. أخت سالم, فتحت عينى ببطئ لأجد نفسى ملقاة تحت السقيفة ممزقة الملابس, آخر ما أذكره هو إعتداء الشيخ محمود على بمساعدة زوجته وإبنته. لقد هتكوا عرضى كى يثأروا من أخى لطلاقه إبنتهم أرادوا أن ينجسوا سمعة عائلتى كى لا يستطيع أبى وأخى أن يرفعا رأسيهما مرة أخرى فى العُُدََّّّيْْسََات, تجمع الناس حولى.. كنت شبه مغشيا على.. سمعتهم يطالبون بدمى.. فجريت بكل ما أوتيت من قوة كى أختبأ عند مريم صديقتى فى درب النصارى. ولكنى لم أجد أحد بالدار.. هرعت إلى كنيسة العُُدََّّّيْْسََات التى بُنيت مؤخرا بدون تصريح. طرقت الباب الخشبى للكنيسة ففتح لى عم مرقص الحارس وأدخلنى على الفورعندما رأى ملابسى الممزقة وحالى الدال على مصيبتى, بالرغم من أن المسلمين غير مسموح لهم بتخطى السور الطينى المحيط بالكنيسة. كانت هذه هى المرة الأولى التى أرى فيها الكنيسة من الداخل. أجلسنى عم مرقص على أحد كراسي المصليين الموجودة فى صحن الكنيسة, مباشرة أمام الكرسي المخصص للأسقف, يغطي البلاط الأرضية, أما السقف فعبارة عن مجموعة من الألواح الخشبية, وجدت أمامى الهياكل الثلاثة (هيكل السيدة العذراء) و(هيكل الأنبا صموئيل المعترف)، و(هيكل الشهيد أبو سيفين) تماما كما حفرهم وصف مريم فى مخيلتى. رأيت مريم تجرى فى أتجاهى وعندما نظرت فى عينى احتضنتنى وبكت. بعد أن حكيت لها ما حدث خبأتنى في المََضْْيََفة الخاصة بالأقباط -باحة الكنيسة- والتى تقع مباشرةً أمام الكنيسة.
- أنا محمود ... يطلق على البعض لفظ دجال ... ويسمينى الجميع الشيخ محمود ... نعم أنا رجل مبروك لا يعنينى ألا يحبنى أهل العُُدََّّّيْْسََات ولكن ما يعنينى هو أن يهابنى الخلق .. يخشانى الجميع.. بل بمعنى أدق يتقى الجميع شرى لإعتقادهم بأنى على اتصال بعوالم الجن والأرواح. زوجت وحيدتى لأفندى بلا عمل وبلا دخل.. وهبته غرفة فى دارى وعلى مدار أربعة أعوام تكفلت بكافة مصاريفه هو وزوجته وإبنته, والنتيجة أن طلق هذا الحقير ابنتى!!! الطلاق فى الصعيد فضيحة ..اكتسبت ابنتى لقب مطلقة .. ولن يُُقدم أحد على الزواج من مطلقة ... ياللعار نعم فضحنى هذا الصرصور... سأنتقم لكرامتى.. سأنتقم لهيبتى التى فقدت فى العُُدََّّّيْْسََات .. سأهتك شرف أخته.. أعلم أنه يحبها بجنون.. سأدفن رأسه فى الطين.. ولن تعنينى النتائج فأهل القرية يخشون منى وسيعنيهم فقط العار الذى ستجلبه إليهم تلك الفاجرة –فاطمة- التى لم تقدر على صيانة شرفها ولن يقدر سالم على إبلاغ الحكومة فلأهل الصعيد قانونهم الخاص ولا يدخلون الشرطة فى نزاعاتهم الشخصية وحتى إن فعل سأنفى التهمة عنى بل سأصرح بأنها هى التى أغوتنى.
- بمجرد أن سمعت ما حدث لأختى قررت أن أهجر دراستى الجامعية سأرجع كى أحمى فاطمة من المصير الذى آلت اليه. أنا السبب.. فلولاى لما أغتصبت.. لولا بعدى عنها ما كانت الآن تحت رحمة أهل العُُدََّّّيْْسََات يطالبون بهدر دمها.. لولا زواجى من ألطاف ما قاست فاطمة كل هذه الآلام. أقنعت أبى – وأيدتنى أمى- بأنى الجانى الوحيد الذى يجب أن تكال إليه الإتهامات, ولكنى سأنتقم لشرفى سأقتل الشيخ محمود. وبالفعل ابتعت بكل ما أملك من نقود طبنجة وبضعة رصاصات وتربصت له فى مدخل القرية أنتظر مروره كى أسلبه حياته كما سلب أختى أعز ماتملك وسلب عائلتى كيانها وشرفها وسط أهالى القرية. قبعت بالساعات أنتظر مروره فقد كان يداوم على أداء الصلوات الخمس فى جامع القرية ولكن الكلب الخسيس كان يتوقع ردة فعلى فمكث فى داره وأغلق بابه ونوافذه. إلى أن رآنى قس الكنيسة وعلم بنيتى فأخذ يهدأ من روعى قائلا:
" لقد فقدت ابنتك وزوجتك ودراستك وفقدت أختك بكارتها وفقدت عائلتك بالكامل شرفها. وأختك لم تقتل فهى حتى الآن حية ترزق بفضل وجودك بجوارها. أتريدها أن تفقدك إلى الأبد عندما تسجن لتهمة قتل هذا الدجال؟!. قم يا بنى صلى للرب عسى أن يلهمك الصواب".
- بعد نصيحة القس.. وبعد صلاة الإستخارة عدل سالم عن قتل الشيخ محمود ولكنه قرر أن يهجر هو وأسرته العُُدََّّّيْْسََات إلى الأبد فلن يقدروا على مواجهة الناس من غير أن يقتل سالم أو والده فاطمة. فالجميع يراها عاهرة والجميع يطالب بدمها. حتى وإن تناسى أهل العُُدََّّّيْْسََات تلك الفضيحة فلن يقبل أى صعيدى على الزواج من فاطمة وهى بهذا الوضع. فهاجروا إلى قنا ورفض سالم استكمال دراسته كى لا يفارق أسرته ثانيةً ومرت سنوات عديدة عمل سالم خلالها موظفا باحدى الجهات الحكومية وسعى بكل طاقتة لإسعاد أسرته وخاصة صغيرته فاطمة وتعويضها عن الألم الذى لحق بها.
فى عام 1970 تزوج سالم من امرأة صعيدية من قنا حكى لها حكايته فاحتضنت فاطمة ووالديه اللذان بلغا من العمر أرذله. وحاولت زوجته أن تجد عريس لفاطمة ولكن لكونها بلا غشاء بكارة فقد كان الخطاب – بالرغم من جمالها الأخاذ - يرفضون الإستمرار فى الخطوبة بعد أن يخبرهم سالم بواقعة الإعتداء. الى أن جاء نصيب فاطمة اليها وقبل بها وأحبها من لم يراها يوما مذنبة.
- العُُدََّّّيْْسََات - 2006 : أنا مريم.. اليوم هو الأربعاء الموافق 18 يناير- ليلة عيد الغطاس - أنا الآن جدة .. أبلغ من العمر اثنتا وستون عاما.. كنت نائمة في الدار، وحوالي الساعة السابعة مساء انقطع التيار الكهربائي عن القرية، ثم سمعت صراخا في الخارج، وعندما خرجت لأرى ماذا يحدث، وجدت السيدات فى درب النصارى يصرخن قائلات: (الحقينا يا عدرا.. الحقينا يا عدرا). وكان هناك عساكر واقفين، وشاهدت النار تشتعل في أحد المنازل. وكان الجميع يصرخون والنار تزداد. وكان هناك مسلمين معهم جاز وبنزين في زجاجات، وقد عرفت ذلك لأن الجاز وصل إلى ملابسي. ورأيت غفيرين وعسكري يضربون نساء مسيحيات. وصرخت إحدى النساء لي أن المسلمين يحاولون إحراق الكنيسة لأنها حتى الآن بلا تصريح والعساكر فى صف المسلمين لأن الأوراق الرسمية بتقول أن المكان ده مضيفة مش دار عبادة. فجريت إلى الكنيسة التي وجدتها تشتعل وحولها أشخاص يرمون شعلات النار من اتجاه الغرب حيث بيوت المسلمين, وانشغلنا في محاولة إطفاء النيران، وهنا أتي شخصين وضرباني على ذراعي الأيسر، فوقعت وصرخت بهما أنني (مش هاسيب الكنيسة حتى لو مت). وبنت بنتي وهى راجعة من الدرس عاكسوها عيال مسلمين وقالولها (الكنيسة حرقناها)، ولما جه قرايبنا يعزوا في الواد ابن ابنى اللي مات فى الحريق – وما كملشى أربع سنين - طلعوهم مرتين من البلد وحاولوا يرجعوهم، وكمان بهايم ولادي الاتنين اتاخدت. الله يرحم أيام زمان لما ماكنش فى فرق بين قبطى ومسلم ... الله يمسيكى بالخير يا فاطمة
(إن عشنا فاللرب نعيش وإن متنا فاللرب نموت، إن عشنا أو متنا فاللرب نحن)
- قنا 2008 – باريس الصعيد كما يسمونها الآن- مازال سالم يواظب على زيارة قبر إبنته الراحلة. خاصةً بعد رحيل والديه اللذان طالبا بإصرار أن يدفنا فى نفس القبر مع فاطمة – حفيدتهم الأولى- فى مقابر العُُدََّّّيْْسََات. أما الشيخ محمود فوجد مقتولا تحت السقيفة عند عودته من صلاة الفجر ذات يوم ويشيع البعض أن سالم هو الفاعل وبعدها بعامين ماتت ألطاف محروقة ولم يعرف إن كانت قتلت نفسها بأن صبت لتر جاز على ملابسها وأشعلت النار أم أن وابور الجاز قد هب بها! أما أم ألطاف التى قاربت على المئة عام من العمر فيقال أنها الآن مجذوبة تتسول فى حوارى العُُدََّّّيْْسََات منذ أن فقدت زوجها وابنتها!.
أما العمة فاطمة فأنجبت ثلاثة فتيات أكبرهن مريم وأصرت على تعليمهن كى لا يواجهن نفس مصيرها. وبالمثل فعل سالم فقد بارك له الله فى زوجته وأنجب منها خمسة أبناء ثلاثة أولاد وإبنتين.. أنا أصغرهم.. إسمى فاطمة.