الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

رسائل - الجزء السادس






إبتزاز مودرن
روما- منتصف يونيه 2008
صديقى الصدوق فؤاد...

لا أدرى من أين أبدأ ولا أين سأنتهى.. أفتقدك بشدة فى أيامى الصاخبة... التى تدور فى دوامة الحياة بلا توقف.. بلا متع حقيقية وبلا ألم يذكر أيضاً... فلم يعد هناك أية متعة فى لهاثى خلف أشياء أصبحت عديمة الأهمية بالنسبة لى كرسالة الدكتوراة على سبيل المثال لا الحصر .. ربما أريد أن أؤمن حياتى عن طريق يافطة الدكتوراة العريضة والتدريس مستقبلا فى المعهد.. أنها الساقية التى يبدأها الثور وينهيها صاحبه ولا حيلة للثور فى دورانة .. ولكن على صعيد العمل الحقيقى لى - والذى لا يدر على أي دخل - فقد أنتهيت لتوى من فيلمى التسجيلى الثانى وأقوم بعرضه الآن فى مهرجان روما للسينما المستقلة ولهذا السبب أنا هنا الآن فى أيطاليا.

الحقيقة أنى أراسلك لأنى فى محنة ولا أستطيع طلب معونة أحد سواك.. ربما لأن محنتى سببها شخص تعرفت اليه فى منزلك.. وأعلم أيضا أنه أحد أبناءك فى الحياة.. فأنت - المعتزل للحياة الثقافية فى مصر - حضن لأجيال سبقتنى وأجيال أخرى تلينى... سأحكى من البداية آمله طول بالك وصبرك:

منذ عدة أيام وقبل مجيئى الى إيطاليا مباشرة هاتفنى العربى الشحات وطلب ضرورة رؤيتى لأمر هام - علما بأنى لم أقابله قط خارج جدران منزلك أو كما أحب أن أسميه "قهوة الحيارى"- وأصر على أن تكون المقابلة خارج بيتك لأنه يريد أن يخبرنى عن شئ لا يمكن مناقشته فى حضورك.. ظننت أنه سيفاتحنى فى رسالته التى أرسلها لى منذ شهرين فى شكل قصة قصيرة كتبها ولكنها كانت دعوة مستترة لممارسة الجنس معى.. ولكنى تجاهلت الرسالة المخبأة بسذاجة فى قصته القصيرة الملفقة.. وأدعيت الجهل وعدم الفهم كى لا أصطدم معه.. أو لأكون أكثر صدقا لأنى أفتقد القدرة على المواجهة برغم من جرأتى فى شتى مناحى الحياة.. الا فيما يختص بأنوثتى..

وربما كانت الأنثى بداخلى يسعدها مثل هذا الأطراء حتى وأن كان من العربى الشحات .. فأنا برغم من كل نجاحاتى وكل البريق المحيط بى الا أنى وحيدة يا أبى وبالرغم من الإطراء الموجه لى من الناس جميعا الا أنى أفتقد الرجل.. ربما لم أردعه قطعياً لمثل هذا السبب.. ربما أعجبتنى فكرة المعجب الولهان.. ربما هى أنعكاسات فى اللاوعى لحالة الوحدة التى أحياها... ولكن دعك من كل هذه المهاترات الفكرية فأنا بالفعل أنفر منه كرجل.. ولكنى كنت –فقط - أعتز به كزميل فى "قهوى الحيارى" .. فمنذ أن قابلته عندك من بضعة أشهر وأنا أجده شخص ثرى بالحكايات.. ولكنه يعشق الكلام وغالبا ما يصفصط بلا أى معنى.. ولكنه أيضاً روائى موهوب..

المهم عندما طلب مقابتى لم أستطع التملص.. فأقترحت قهوة البستان فاعترض لأن عليها يجلس الكثيرون من معارفه وهو يريد أن يحادثنى دون مقاطعة من أحد فقبلت طلبه مردده لنفسى:
• خلينا ورا الكداب لحد باب الدار لأنه لو فتح موضوع رغبته فى مضاجعتى سأنتهزها فرصة مواتية "للشبشبة" وأيضا للتخلص من خجلى وتلعثمى .. وأيضاً لأغلق هذا الموضوع الى الأبد بدلا من أسلوب "على المدارى" الذى أتبعه

دخلت "أستوريل" فى وسط البلد وجدته فى أنتظارى.. متلعثما لا يستطيع الأمساك ببداية كلامية بعينها.. تقافزت الكلمات المبعثرة على لسانه لأكثر من عشر دقائق.. دون جملة واحدة مفيدة ذات معنى فقاطعته قائله:
• باقوللك أيه يا عربى .. أنا مش فاهمة حاجة خالص.. قول اللى عندك على طول..
وبعد مشقة فى متابعة جملة المقتضبة فهمت انه شاهد فيلم لى فقلت:
• وأيه المشكله يعنى؟
فقال:
• لاااا دا فيديو ليكى وأنت فى أوضاع مخلة
غلى الدم فى عروقى وتصاعد ثائراً الى رأسى... كيف؟ ومن؟ ومتى؟ ولماذا؟ تشقلبت كافة علامات الاستفهام داخل رأسى واستطرد هو جمله الغير مكتملة وفهمت أن الفيديو لفتاتين سحاقيتن – أنا (كما يفترض هو) وأخرى روسية- يصورهما شاب فى مدينة ساحليه... وأخذ يذكر أسمائهم وأشكالهم على أتعرف عليهم فى ذاكرتى... فقاطعته:
• باقولك أيه!! مش أنا اللى بتحكى عنها دى
فنظر الى بعينين فيهما من الوقاحة ما يكفى لأرباكى وقال بتصميم:
- لأ انتى.. أنا متأكد
- أنت تتأكد على راحتك... باقولك مش أنا اللى فى الفيديو اللى بتحكى عليه... وكمان قول ممكن ازاى يكون فيلم ليه زى اللى بتحكى عليه يكون وصل لك؟!! وحتى لو أنا البنت نفسها اللى فى الفيديو جاى تقول لى الكلام دا ليه؟
- جابهولى أخويا .. أصله عنده مكتبة جنسية هايلة.. كان جايب لى الهارد ديسك بتاعه وعليه مجموعة من الأفلام وبالمصادفة العجيبة - اللى مش ممكن تحصل ولا فى الخيال - لقيتك فى واحد من الأفلام أنت وواحدة روسية وكان معاكوا واحد مصرى تانى بيصوركوا وقررت أقول لك علشان لو ما كنتيش تعرفى ان الشخص الحيوان اللى صورك نزله على الأنترنت... وكمان علشان ما يحاولش يبتزك

لم يكن لكلامه أى منطق ولا أى رجع صدى لدى ولكن ربما لجمتنى المفاجأة والأتجاه غير المتوقع لحديثه فكنت شاردة توترنى نظرة عينيه الغائرتين فى عظام جمجمته الصغيرة.. وسرحت فى أمكانية تلفيقه لفيديو عن طريق صوره لى حصل عليها من على الفيس بوك أو أى داهية الكترونية أخرى.. وبعد دقائق شرود وهو جالس أمامى يشرب قهوته .. كان مازال يلوك الكلام فى فمه ليخرج ساذجاً من بين أسنانه الضخمة المصفرة من فعل أدمانه للمكيفات من القهوة والنيكوتين فتراكمت عليها طبقات بنية تميل الى السواد... ومازال يتحدث وأنا شاردة .. وقليى منقبض ولا أسمع شئ مما يقول وقررت أن أحسم كل هذا العبث فقاطعته قائلة:
• بص بقى علشان الموضوع ده يتقفل.. أكيد .. أكيد اللى فى الفيديو اللى بتحكى عليه دى مش أنا... بنسبة 90% أنت عندك مشكلة فى نظرك أو فى دماغك فشايف واحدة غيرى أنها أنا.. بس هى مش أنا.. و 10% ممكن حد يكون ملفق فيديو على صورتى مثلاً.. بس دا أحتمال مستبعد .. وفى كل الأحوال اللى بتحكى عليها دى مش أنا... بالأضافة أن كلامك كله غير منطقى
• لا والله العظيم أنت .. أنا قاعد بشوف الفيلم ده بقالى أكتر من شهر.. ومتاكد انه أنت.. . حتى لو تحبى ممكن أجيبهولك علشان تتأكدى بنفسك

زعزعتنى ثقته فوافقته فى بادئ الأمر أن يحضر لى الفيلم كى أراه ولو من باب الفضول على تلك التى تشبهنى لهذه الدرجة.. ولكنى راجعت نفسى .. فيما أشك؟ أأشك فى نفسى؟! كيف اذا أطلب منه ان يصدق رفضى لأدعائه؟ كيف أهتز أمام ثقته العمياء؟!!!!! فتراجعت فى الحال ضاربة بفضولى عرض الحائط مؤكدةً له أنى لست فتاة الفيديو وأنى لا أرغب فى التأكد من أوهامه الشخصية
.
وأستأذنته بعد أن دفعت ثمن النسكافيه لأنه كان لابد على الأسراع للمرور عليك .. فأبلغنى أنه ذاهب اليك هو الآخر.. فاتجهنا سوياً الى "قهوة الحيارى" وهناك كالمعتاد كان يوجد عشرات الأصدقاء فجلست معكم فترة وجيزة ثم أستأذنت بالأنصراف بعد أن أطمأنيت عليك.. وبعد دقائق هاتفنى مذعورا من انصرافى المفاجئ وقال:
• أنا كده أتأكدت انك متوترة لأنك انت اللى فى الفيديو.. بس ولا يهمك أنا هاكون جانبك لو أى حد حاول يبتزك بالفيديو ده .. وما تقلقيش أنا مأمن نفسى كويس قوى لأى شخص
وعند هذا الحد خسرت أخر ذرة فى صبرى فانفتحت به كما الطالوقة وصرخت:
• أنت ما بتفهمشى يا بنى آدم؟! قلت لك ميت مرة بالأدب انه مش أنا... مش أنا... مش أنااااااااااااااااااااا
وأغلقت الهاتف فى وجهه .. وأصابتنى حالة دوار من صراخى الهيستيري.. وغامت الرؤية فى عينى..وكنت على وشك الأصطدام بميكروباص فركنت سيارتى على جانب الطريق كى أستعيد هدوئى ولكنه نجح فى تحطيم أعصابى .. فتركت السيارة على الطريق وأستقليت تاكسى حتى منزلى...

وفى اليوم التالى شعرت بأنى منهكه من ليله أمس وأعتذرت عن كافة مواعيدى .. ولكى أستعد لسفرى الى روما فى غدى... هاتفنى عشرات المرات فى ذات اليوم فلم أجبه.. وكانت الطامة الكبرى عندما أرسل لى الرسالة التالية على الموبايل:

"أنا عارف انك بتقفلى السكة فى وشى علشان انت معاه دلوقتى "يقصد الشخص الذى صور الفيديو" .. أنا أؤكد لك انى جاهز للرد على أبتزازه ليكى.. وأنى مأمن نفسى كويس قوى.. ما تخافيش يا زينة.. أنا بحبك وهاحميكى... ما تخافيش.. وياريت تعرفى مصلحتك.. وتعرفى انه هو مش هايعملك حاجة طول ما أنا جانبك وياريت ما تفقديش توازنك وتقعى فى حباله.....الخ الخ الخ"

تعدت رسائله على الموبايل العشر رسائل فى يوم واحد.. كلها تحمل نفس المعنى.. ونفس التوتر..و نفس الدلالات القوية على أنه مختل عقلياً.. لا حدود فاصلة فى عقله بين الواقع والخيال.. فهو أخترع حكاية وأخذ يكملها دون توقف.. والغريب أنى عندما تأملت سلوكه لم أجده سوى "إبتزار مودرن" تسلح فيه بضعف الإناث فى هذا المجتمع ابن ال....... الذى يعطى للرجل سلطاته حتى على من تمنعن عليه.. دائما هى لعبة الصياد والفريسة ودائما الفرسية هى الضعيفة حتى بالرغم من كونها بريئة من أطماع الصياد ... ولكن طرق الصيد أو الأبتزاز أصبحت مبتكرة لتواكب عصرنا الألكترونى الحديث.

أرسل اليك رسالتى لأخبرك بهذه الواقعة التى مر عليها أكثر من أسبوع لأن الكيل قد فاض بى وطفح من رسائله التى لا تنقطع عن أنتظاره لى فى قهوة البستان فى كل يوم و معه نسخه من الفيلم ليثبت لى صدقه... ومدى مسانتده وح.............. الخ

أسفه يا فؤاد على إزعاجك بكل هذه التفاصيل ولكنى أطلب تدخلك فربما يهابك.. فأنا لا أريده أن يوترنى بعد الآن.. ولانى أيضا تعرفت اليه فى منزلك ولان لا أب لى سواك من بعد تيتمى فى الحياة... سأصل غدا الى القاهرة .. أشتاق الى حضنك .. ولكنى لا أستطيع زيارتك فالعربى شبه مقيم عندك وانا لا أرغب فى معرفته بعد الآن .. فأمى رحمها الله كانت تقول بصعيدتها " اللى يلاجى عوصة.. يلم هدومه" ........... سأراسلك من الساحل الشمالى حيث سأذهب بمجرد وصولى لأرض الوطن.. مع أنى مش عارفة يعنى أيه وطن!!!!!!!!

قبلاتى من بلاد المكرونة وال باتشنو ودافنشى
صغيرتك

زينة الحياة عبد الله

أصدقائى..

الرسائل لم تنتهى بعد، كما خمن معظمكم... فمازال هناك المزيد...

هناك 12 تعليقًا:

السنونو يقول...

جربتى يا عبير تقرأى رواية وتتعبى منها حصلت معايا أكتر من مرة وأسباب التعب كل مرة مختلفة التعب ده عندى يعنى الرواية ناجحة جدا طبعاً وتفسيره عندى أن الحدود الفاصلة بداخلى بين الواقع والخيال يبدأ فى التلاشى ...........
أنت تعبتينى فعلاً

Abeer Soliman يقول...

سلامتك من التعب.. رغم ان النوع اللى بتحكى عليه تعب ممتع جداً

abderrahman يقول...

رسائل جميلة وافكار جديدة وجريئة
تحياتي

Abeer Soliman يقول...

ِشكرا يا عبدو باشا... يسعدنى متابعتك

Tarek Elkhatib يقول...

التعبير عن المضمون بالصورة بيدى حياة وصوت للكلمات وأشهدلك بالجدارة فى أختيار الصور .... أنت تملكين العديد والعديد من الأدوات الفنية المعبرة والراقية

أحمد (زوج مخنوق ). يقول...

عبير انتي فعلا بتخليني اتخيل الاشخاص و المواقف و كل حاجة
حتى العربي الشحات نفسه متخيل شكله عامل ازاي و اسلوب و طريقته و كل حاجة

بجد انتي كاتبة متميزة

منتظرين النهاية
ااااا اقصد البداية

تحياتي

wafaa يقول...

استمتعت بقراءة رسالتك
خيال ممزوج بواقع مؤلم
بس ده فعلا حصل ؟
تقبلى مرورى

Abeer Soliman يقول...

وفاء...
زينة خيال.. بس العربى الشحات واقع شديد المرارة

momken يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
momken يقول...

حلوة اوى تسلم ايدك متعتينى جداً
ولعبتى بدماغى مابين الواقع والابداع

انتى موهوبه جداً

دمتى مبدعه

تحياتى

Abde Gawi Babatout يقول...

عبير
تحياتي لك
مشوقة جدا تلك الرسائل وتحمل في طياتها بالنسبة لي بعض التساولات ..!!
اسلوب الرسائل فيه نوع من السرد القصصي يشبه الي حد ما اسلوبك في الكتابة القصصيه.!!
هل التشابه محض صدفة ام انت قمت بتعديل ما في تلك الرسائل لتاخد الشكل القصصي...!!
هل هناك اي وجه شبه من الناحيه الحياتيه اي بينك وبين صاحبه الرسائل
في الختام
انا متاكد من سعة صدرك في النقد
وفي انتظار باقي الرسائل يا عبير

Abeer Soliman يقول...

sami,

أشكرك على متابعتك وردا على أسئلتك.. نعم الرسائل انا كاتبتها لذا لهى تحمل اسلوبى القصصى ولا عجب فى ذلك..
هى ليست رسائل من أشخاص حقيقين هى محض خيال يعكس الواقع كمرآه جديدة...