الأحد، 15 يونيو 2008

حكاية شاهندة



كنا مجموعة من الأصدقاء نحتفل بعيد ميلاد صديق لنا فى منزله.. قضينا وقت
لطيف.. ضحكنا وتسامرنا وأكلنا واستمعنا الى الموسيقى وأطفأنا شمعة عيد
الميلاد وتبادلنا العديد من النكت الى أن حان موعد نومى ..فأنا امرأة
عاملة مطحونة.. أنتمى الى قطيع العبيد من موظفى القطاع الخاص.. أستيقظ فى
الصباح الباكر .. لأستقبل أيام عملى الحافلة على الدوام.. وكانت الساعة
قد قاربت الثانية عشر.. فودعت أصدقائى وجريت على السلالم كما سندريلا
قبل أن تصلنى دقات منتصف الليل. نزلت الى الشارع واستوقفت سيارة أجرة
وركبت فى الكنبة الخلفية وذهنى يستحضر قائمتى الطويلة لما ينبغى أن
أنجزه فى غدى.. وسرحت فى حالى وانا أنظر - بعين لا ترى - من نافذة
التاكسى الخلفية عن يمينى.. مررنا بشارع أحمد عرابى متجهين الى شارع
السودان.. فقطع صوت السائق استرسالى فى التخطيط لغدى مجريا محادثة
تليفونية.. ولم أوليه أى اهتمام وحاولت التركيز فى حالى الى أن وصلت
لأذناى بعض الجمل التى استرعت انتباهى وجذبتنى من عالمى الخاص واليكم
ما سمعته من محادثة تليفوتيه من طرف واحد:
- أنا شفتها واقفة دلوقتى فى آخر أحمد عرابى
-
آه والله.. هى شاهنده.. هى شاهنده
-
- انت تروح دلوقتى وتاخد حقك منها
-
-أى سلسلة لبساها ولا الموبايل اللى معاها.. تاخده منها.. أيوه
-
- لأ يا عم مش هيحصل ان شاء الله.. وحتى لو أخدوك على القسم.. أنا هاتصرف
-
- هاكلملك العقيد "على" وتخرج تانى يوم
-
- والله هو يحب يخدمنى وبعدين هى هتخاف تروح القسم.. هاتقولهم أيه؟! مش ممكن طبعاً
-
-انت بس قوم اجرى دلوقتى روح لها .. علشان تلحقها قبل ما تتشقط
-
- أيوا.. كان فى ولدين فى عربية حمرا سوزوكى واقفين لها هناك
-
الله بقى يا عم!!. يلا اجرى .. الحق روح .. بس أنا ليه الحلاوة؟
-
- خمسين جنيه.. ماشى؟
-
- والله أنا أستحقهم .. يالا سلام وابقى كلمنى عرفنى ايه اللى حصل.. سلام

كنت أتابع الحديث بشغف غير عادى.. وكنت أتفرس خلاله ملامح وتعبيرات وجه
سائق التاكسى.. كان شاب فى العشرينات من عمره.. وسيم.. عيناه كحيلتان..
شعر رأسه وذقنه المشذبة بعناية شديدا السواد.. يرتدى ثيابا مهندمه.. كانت
عيناه حائرتين.. قلقتين بهما تحفز المتوثب للإنقضاض وبعد أن أغلق الهاتف
هدأت ملامحه وبدأ يعير إهتماماً نسبياً الى الطريق..

أما أنا فقد نسيت عالمى وانجذبت الى عالم هذا السائق.. لم يعد يؤرقنى
ضرورة نومى المبكر.. ولا جدولى الطويل لأيامى المزدحمة.. ولا أى شئ..
واستعرت بداخلى حمى الحكايات وترددت مرات عديدة فى أن أحدث السائق عن
مكالمته التليفونية.. وفى نهاية المطاف حسم فضولى الذى أكلنى عن آخرى
ترددى وسألت الشاب الوسيم وانا أحاول أن يبدى صوتى رصانة تشجعه على
الحديث قبل وصولى الى بيتى.. :
- هو أنا ممكن أسألك هى أيه الحكاية بالظبط؟
ارتبك السائق بعض الشئ وتظر لى عبر المرآه الأمامية بخجل يحاول أن يداريه وقال:
- تقصدى حضرتك مكالمة التليفون؟
- أيوه لو معندكش مانع أحب أعرف هو أيه الموضوع
وتململ بعض الشئ وكأنه يشحن طاقته استعدادا للحكى ولم تفارق وجهه تعبيرات
الخجل التى نادرا ما يحملها وجه رجل عن دون تصنع وقال:
- بصى حضرتك.. شاهنده دى بنت زى القمر.. ولو شفتيها والله حضرتك هاتقولى
أنها بنت ناس ذوات..بس هى ولا مؤاخذة يعنى...
ونظر الى وهو يعطينى أشارة ما كى أستشف منها معنى كلمة "لا مؤاخذة"
وتبدو عليه علامات الحيرة فى إختيار المفرد اللغوى المؤدى الى المعنى
وأخذ يطوح بكفه الأيمن وهو يقول:
- هى بتشتغل يعنى ولا مؤاخذة .. فاهمة حضرتك؟
فأومأت برأسى وقلت فاهمة
فاستطرد: أنا اتعرفت عليها أنا ومحمد صاحبى اللى كنت بكلمه دلوقتى وبعدين
هى عرفت مجمد على واحدة صحبتها بصراحة أنا حبتها بس دا صنف ملعون كانت
برده بتشتغل من ورايا ومره سرقت منى ميت جنيه وأنا زى الأهيل كنت بجد
بحبها.. وبعدين لافت هى وصاحبتها على محمد وسرقوا منه متين جنيه وانا
دلوقنى لسه شايقها قى عرابى وقلت له يروح ينتش منها ساسلتها ولا موبايلها
ولا أى جاجه
- مش انت قلت انها سرقت منك مية جنيه ؟ عملت ايه ساعتها
- فضلت ألف فى الشوارع لغاية ما لقيتها بعدها بأسبوع وأحدتهم من ننى عنيها
-طيب ازاى تآمن لها تانى؟
- المرة دى هى ما سرقتنيش أنا دى سرقت صاحبى ..وبصراحة البنى آدم ضعيف
برده .. انا ضعيف وبرجع لها وهى ضعيفة وبتبيع روحها وبتسرق
وعند هذا الحد وصلت أمام منزلى وكان على أن أغادر التاكسى .. وأتغلب أنا
الأخرى على ضعفى الآدمى أمام الحكايات

هناك 3 تعليقات:

ali يقول...

انا ياحييكى جدا على القصة دى
بجد انتى رائعة ده مش مجاملة على فكرة
ازاى بتعرفى توصفى تعبيرات الوجه بالدقة دى
ازاى اصلا بتعرفى تشوفيها بالدقة دى
انا مش باهتم بالقصة بقدر ما باهتم بأسلوب سردك لتفاصيل الموضوع
انا باحييكى وزى ما قلتلك قبل كده انتى اسلوبك رائع
تحياتى ليكى
على حب

محمد يقول...

حضرتك أخدتى بالك من أسلوب تفكير سائق التاكسى وهو كما وصفتية فى العشرينات
لاحظى الاتى1-أن الغاية تبرر الوسيلة
2-أن لرغباتة الهيمنة على أدراكة
3-أن المادة لها الاولوية(50جنية من صديقة لانة دلة على البنت)

هذا هو التفكير السائد الان بمنهى الوضوح

ملحوظة أسلوبك فى السرد يدل على موهبة حقيقية
منتظر زيارتك فى مدونتاى
http://kalamfekalamm-mohamed.blogspot.com/

و
http://kalamfekalamm.blogspot.com
مع تحياتى
محمد

Ahmad Abdulatif يقول...

الجميلة عبير
الحكاية ظريفة جدا ، سردتيها بشكل واقعي بمفردات تناسبه ، هي أيضا تعكس لنا تفكير فئة مهمة من الشعب المصري ، التاكسجية . كما تلمس أيضا فئة شبه مجهولة : العاهرات ، فلا أحد يتحدث عنهم أو يسمع اليهم ، أو يفسر لنا كيف نمقتهم و نعشقهم في آن واحد ؟ . أتكون هذه شيزوفرينيا اجتماعية ؟
تحياتي.