الأحد، 23 نوفمبر 2008

القاهرة ليل داخلى (٤)


ف بحر الضلمة رأيت على بعد
شبح إنسان
حققت بعينى
لقيتها يمامة وكاسرة الطوق
كرابيج الليل
ناقشينها جراح
من تحت لفوق
والأسى فى عينيها
مصحى الشكوى تقول حواديت





حواديت .... حواديت ... قرب.... جرب ... خدلك كام حدوتة

ما أروع الإحساس بأن تملأنى «زوزو» فأرى بعيون محبة وأتنفس بعنفوان الصبا وأحلم بسذاجة الطفولة .. أرقص وكأن الموسيقى تعشش بصدرى ... أتمايل على نغمى الخاص.. لا يعنينى أحد ولا تشغل بالى الأشياء.. سواء أكنت أرقص وحيدة أو مع دعاء وأسماعيل -خطيب دعاء الذى انضم لنا منذ منتصف الليلة- أو معى إيهاب..أو معهم جميعاً... لا تغير هذه التفاصيل الصغيرة من إحساسى اللحظى بالسعادة.. وكأن هذا المكان وهؤلاء الأشخاص هم هدية السماء لى الليلة... لتكافأنى على شيمة الصبر .. فأنا عطشى للسعادة كما أنا عطشى الآن لأى شئ يبلل ريقى .. استأذنت الجميع على حلبة الرقص وأتجهت الى البار... ماذا أشرب الليلة؟ أأشرب بيرة كإيهاب أم أشرب نبيذ كدعاء وأسماعيل؟! ...أنا لا أحب طعم البيرة.. ولا أدرى كيف يستسيغها الناس.. ومعدتى الضعيفة لا تحتمل النبيذ....أم لا أشرب خمر على الإطلاق؟ أنا لست ضد الخمر ولكنها أيضاً ليست احدى متعى فى الحياة.. ولكنى أسمح لنفسى ببعض منها فى المناسبات المتفرقة.. وغدا عطلتى الأسبوعية.. فليذهب العقل الى الجحيم ..

ورفعت صوتى كى يصل الى النادل عبر الموسيقى الصاخبة:
- ID بطيخ بعد اذنك .. كانت دعاء قد تبعتنى الى البار لتسألنى عن رأيى فى أيهاب فقلت: والله مش بطال فردت بصعيديتها الدبش:
- مش بطال؟! ماشى يا إختى.. دا البنات هاتتهبل عليه فى الجورنال بس هو اللى مابيحبش الصحفيات بيقول عليهم ما بيستحموش... هانعمل ايه بقى على رأى المثل «عدوك ابن كارك»
ضحكت من قليى لضحك هذه الطفلة المتخفية فى جسد امرأة جميلة.. وأخبرتها عن رأيى فى إيهاب وأقررت أنه فعلاً وسيم وقد يكون حلماً للكثيرات ولكنه حقا لا يروقنى .. أقصد لا بشدنى اليه كرجل ... لا يستفذ الأنثى بداخلى ... فأنا لا أحب الرجال بيض البشرة.. ينفروننى منهم.. أشعر أن الرجل الأبيض ناقص الذكورة.. لا يستهوينى .. تماما مثل نفور بعض الرجال من الفتايات صاحبات الصدور الضامرة أو المؤخرات الصغيرة.. أنا أعشق الرجل الأسمر.. هنا تبدا أولى مراحل الإعجاب..

ولكن كل هذا لا يعنى أن لست معجبة بإيهاب .. بل أنا معجبة به جدا ولكن فقط على مستوى أنسانى... تعجبنى كتاباته الصحفية .. يعجبنى تواضعه.. يستوفقنى حبه للحياة ... أود لو نصبح أصدقاء .. ولا أرغب بالمزيد...
وتوقفت عن الكلام وسحبت دعاء من يدها لنواصل الرقص وطلبت منها أن نترك لغطنا هذا ليوم آخر يكون الجد شعاره... ورقصنا ورقصت ورقصم معى وكأنى أهرب من السكون والملل لأغمس نفسى فى سعادة مؤقتة أستشعر قرب زوالها.. وكان إيهاب فى غاية اللطف والإنطلاق .. حوالى الثالثة صباحا.. تعبت من الرقص.. فجلست بجواره لنكمل تجاذب أطراف الحديث الذى لم ينقطع طوال الليلة عن الأدب والشعر والسينما والصحافة والحب .. كانت له طرقه الخاصة فى التعبير عن أرائه ... تبدو غريبة بعض الشئ ولكن تنبئك دون مجهود بأنه شخص استثنائى جداً....الآن تبدو عليه بوادر السكر .. ناولنى سيجارة من علبته «الكنت».. وبالرغم من أنى غير مدخنة فقد قبلتها منه ومال ناحيتى كى يشعلها.. وبعد أن سحبت أول نفس.. زاد ميله فى اتجاهى الى أن أختفى من مجال رؤيتى وهمس فى أذنى:
- عارفة؟! أنا نفسى فيكى النهارده
وكأن يدا خفية قد ضغطت زرار «Pause» بداخلى بالرغم من صخب المكان من حولى.. وانا انظر اليه وشبح ابتسامة قديمة على شفتى.. أحاول جاهدة ألا تهرب منى.. وعينى تنظران فى بؤرة عينيه وكأنى أفتقر الى حاسة البصر.. وبعد ثانيتين استعدت وعى الكامل وقلت:
-عارف يا إيهاب أنا مش زعلانة منك.. لأن سلوكك دا طبيعى.. فى مكان طبيعى لشخص سكران.... بس للأسف للشخص غير المناسب.. أنا مش هاخد الموضوع بشكل شخصى لأن طلبك بمنتهى البساطة بيعكس حالك مش حالى.. وعلى فكرة أنا كمان مش زعلانة منك

فوجئت بنفسى هادئة وغير مستفذة.. ليس لأن طلب أيهاب طبيعى .. بل كانت هذه هى المرة الأولى التى يقتحمنى رجل بمثل هذه الطريقة.. فهو لم يلف أو يدور كحال كل الرجال.. ولم يتصنع حب لا أساس له من الصحة كى يجرجرنى الى فراشه.. بل كان مباشرا وصريحا فى تعبيره عن رغبته... ماذا تريد أنثى وحيدة فى ليل هذه المدينة العاهرة التى تباشرنا فى عقولنا قبل قلوبنا؟!!.. انثى قيلت دعوة صديقتها كى تعرفها على رجل.. ماذا تريد؟ تريد حبا وحنانا؟

لقد صنفنى أيهاب ك«فتاة متحررة» وتحت هذه اليافطة العريضة «الحرية» وقع فى خطأ التعميم.. فشملنى ضمن هؤلاء الفتايات الأتى يسمحن لأنفسهن ببعض العلاقات بهدف تنفيث الطاقة الجنسية المكبوتة لا أكثر ولا أقل وبالطبع لا أقصد هنا الفتايات والنساء فى حالات الحب.. فهذا أمر طبيعى أو فلنقل مبرر الآن.. أما العلاقات الجنسية الحرة فهى تقتصر على من يطلقون على أنفسهم اسم « المثققون» وتحت هذا الشعار الجميع بلا قيود.. وكأن القيد مرادفه الجهل أما الثفاقة فتعنى الحرية.. وحرية الجسد هى الأولى بين الحريات.. ويصيح إشباع الجسد واجب انسانى للفرد المثقف بغض النظر -فى بعض الأحيان- عن الشريك.

هذا البار مكان طبيعى لهؤلاء «المثقفون» و»المثقفات».. ووجودى فى هذا المكان ورقصى وشربى وبساطتى أوهم إيهاب بأنى متحررة من الكلاكيع.. فبالرغم من أنى أعيش نموذج أقرب ما يكون للفتاة الغربية الا أنى فى نهاية المطاف مازالت بداخلى بقايا فتاة شرقية... أنا لست شرقية أو غربية أنا مزيج من الإثنين معاً. أنا نفسى... أنا حياة..

لماذا تقسو هذه المدينة على إناثها ؟
أنثى وحيدة فى قلب ليل القاهرة ثارت عندما عرض عليها شاب استثنائى أشباع جسدها؟ هل تنتظر حبا حقيقيا يصادفها فى بار فى منتصف المدينة؟ هل سياتى اليها فارس أحلامها الليلة؟ هل وهى فى الخامسة والثلاثين من عمرها مازلت تؤمن بخرافة الحب من أول نظرة؟ هل بعد كل تجارب الحب الفاشلة مازالت تؤمن بالحب من أساسه؟ هل مازالت تحلم بالحب كما فى كشكول الأسرار؟ ماذا تريد هذه الأنثى الوحيدة الحائرة؟ حب؟ الله يرحم أيام السذاجة... زوج؟ أصبح الزواج موضة قديمة فى دنيا الحريات

هناك 11 تعليقًا:

غير معرف يقول...

ربما لاتريد سوى أن تترك لحالها , تحيا فى هذا العالم بدون أن يصدر الجميع أحكام عليها.

Tarek Elkhatib يقول...

كالعادة خطفتينى ببوست ولا أحلى ولا أروع ولا أجمل من كدة ,,عشرين شعور متداخلين وميت سؤال معذبين,, وأكتر من جملة رائعة وخاطفة ذى الورود البيضا فشعر سمراء فاتنة,, وخطوط واضحة لمناقشة مواضيع شائكة جدآذى الشعرة اللى بين الحرية والأنحلال , والتمرد والملل
عشان أناقش كل حاجة حلوة فى البوست دة هحتاج صفحات ,, أنا عشقت الجمل دى :
أنا نفسى ....أنا حياة
بغض النظر - فى بعض الأحيان- عن الشريك
هل تنتظر حبآ حقيقيآ يصادفها فى بار فى منتصف المدينة ؟
تحلم بالحب كما فى كشكول الأسرار
أنا لست شرقية أو غربية أنا مزيج من الأثنين معآ
الشعر الجميل دة لمين ؟؟

السينيور يقول...

الصراحة بوستك حلو واسلوب كتابتك رائع بجد
وان كنت غير متقبل من وجهة نظري الشخصية لموضوع عدم رفض الخمر وايضا الى الحريات هي حريه الجسد
ليس كل المثقفين كذلك واكره التعميم
ولك وكل بنات حريتنا التحية

Tarek Elkhatib يقول...

وعصير العنب العنابى نقطة ورا نقطة يا عذابى ,, يكشفلى حبايبى وصحابى ,, يوحدنى وأنا فعز شبابى ,, القلب على الحب يشابى والحب بعيد عن..... أوطانه ,, بانوا

Abeer Soliman يقول...

هبه ..
ربما هى كذلك

Abeer Soliman يقول...

طارق...
القصيدة لعم أحمد فؤاد نجم

وشكرا على تشجيعك المتستمر لكل ما أكتب

Abeer Soliman يقول...

شاب مصرى..
مش معنى رفضنا لقكرة أو جماعة انهم مش موجودين..
يعنى أقصد أقول انى أحكى عن نموذج موجود فى المجتمع مع العلم أنى لا أدعو لانتهاج أفكار هذا النموذج.. أنا بس بقول انهم موجودين وبأفكارهم الخاصة

ابن المليونير يقول...

أستاذة عبير سليمان
عن حرية الجسد و قيود الروح تتكلم حياة
حقا اننا فى عالم مادى قد لا ندرك بة أى معنى للروح
و لكن العلاقة بين الجسد والروح هى دائما علاقة عكسية
الجسد يشتهى ضد الروح والروح تشتهى ضد الجسد و كل منهما يقاوم الاّخر
حرية الجسد هى قيد للروح
فالجسد يسعى للزيادة فى كل ما هو حسى و ملموس من ملذات و مشتهيات و مأكل ومشرب و جنس اما الروح فتسعى للرقى و للسمو تسعى للفضيلة و التسامى عن هذا العالم و مشتهياته فطبيعة الجسد تختلف كليا ً عن طبيعة الروح ،الجسد يموت اما الروح فتخلد إلى الابد .
غذاء الروح هو الهدوء و التأمل و المناجاة و الصبر
أما الجسد فهو كالكلب المربوط بحبل بنهايته نسر يحلق بعيدا فى السموات ،إن إهتممنا بالكلب رضوخا ً لطلباتة الملحة فسيسمُن و يمتلئ و يسحب الحبل لاسفل و معها الروح نحو الحسيات والأرضيات فالجسد من التراب و يسعى دائما إلى الماديات و هذا يُعد أقسى محبس للروح أما لو وضعنا اهتمامنا بالنسر فسيرتفع و يرتقي بالكلب بعيدا ً عن الارض نحو السموات ،لنحصد ثمار الإهتمام بالروح من محبة ،فرح، سلام، طول أناة،لطف،صلاح،إيمان،وداعه،تعفف.
فإن من يزرع لجسدة فمن الجسد يحصد فسادا ً و من يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة.
لذا نلحظ ان كل إنسان روحانى غالبا ما يضبط جسدة ولا يهتم به كثيرا كغاندى و الام تريزا و البوذيين و الرهبان
و هناك ثمة علاقة بين ضبط الجسد و القدرة على المحبة بالقلب فكلما تعلمنا ضبط الجسد إستطعنا أن نحب بالقلب و ندرك الحب المعبّر عنة بضحكة أو حركة أو نبرة صوت ( ليس فقط الحب بين الذكر و الانثى )
الضبط الجنسى اشبه بسراج يضاء بزيت. فإن لم نهذب الفتيلة ترتفع الشعلة عاليا ً و تتسخ الزجاجة و ينحجب النور.
فكما أن النور الجيد يتوقف على نظافة الفتيلة هكذا يتوقف الحب القلبي على الإنضباط الجنسى.
لهذا يتوجب عليناً أن نعي ضرورة ضبط شهواتنا، ليس لان الجنس شئ قذر بل لأن نور المحبة دون الإنضباط الجنسي لا يسطع جيدا ً و بالتالي لا يقدر الإنسان ان يعرف السعادة على وجهها الاكمل.
ذلك لان فن الحب كسائر الفنون لا تمكن ممارسته دون تدريب و إنضباط.

Abeer Soliman يقول...

ابن المليونير...

أشكرك على تعليقك الثرى بالوعى والحكمة.. أتفق معك فى المضمون وأختلف معك فى نقاط بسيطة.. مثلا الأهتمام بالروح لا يعنى فى المقابل أهمال الجسد.. فالجسد هو الوعاء الذى يحوى الورح.. وأن لم يكن الوعاء جيدا زادت فرصة فساد محتواه.. وعندما تتحدث عن الضبط الجنسى فان كلامك يعقل فى حالة اذا كان المجتمع سوى والممارسات الروحية قبل الجسدية منضبطة ولكن الواقع الذى نحياه للأسف واقع مشوه..

لا تعنى كلماتى التشاؤم بل تعنى رصد واقع ليس بالمنضبط

ابن المليونير يقول...

أستاذة عبير سليمان
لم أقصد إهمال الجسد، لأن الجسد هو هبة من الخالق و ينبغى الإهتمام بة إكراما ً لهذا الخالق العظيم
و لكن عنيت أن لا تكون الكلمة للجسد بل للروح

كيف يتم إستأناس الحيوانات المتوحشة؟
بالتدريب .. ليس كل ما يطلبة الحيوان مجاب..إن كان لا يشبع فلنعلمة كيف يكتفى بقطعة محدودة من اللحم يوميا
أما إن تركناة لينال ما يشاءة فقد لا يرتدع عن إلتهامنا أيضا.
أنة الحب لأروحانا هو الذى يمنع و يضبط الجسد حتى لا يثور و نفقد السيطرة علية

كم سنعيش بالجسد؟80 او 100 سنة
و كم سنعيش بالروح؟ للأبد
الجسد يستضيف الروح لفترة. فاياً كان لا يجب أن ننسى أن الروح فى غربة داخل الجسد الفانى و هى الأولى بالعناية وليس الجسد

الضبط يبدا من داخلنا وليس من الخارج
ضبط يبدا بنوافذنا الاساسية على العالم و هى حواسنا
بينما نقبع داخل قلعتنا يجب الا نستسلم للنعاس بل نكون يقظين لاى هجوم خارجى فالعمل يبدا من الداخل و الإستعداد للحروب الروحية ايضا من الداخل
السكان داخل القلعة متأهبة و مستعدة لعون الجنود على الاسوار الخارجية
بينما تختبأ السكان (الروح) داخل قلعتنا( الجسد)، تتولى الحراس اليقظة (الإنتباة العقلى ) حمايتها من خلال نوافذها ( الحواس ) حول السور ولكن إن كانت هذة الحراس غافلة و متسيبة فبسهولة يتم إحتلال قلعتنا
و إن تهدمت الأسوار فايهم اولى بالحماية السكان أم القلعة؟؟
السكان توهب الحياة للقلعة و بدونها المدينة خربة و مهجورة ، هكذا الروح تهب الحياة للجسد و مع إنفصالها ، الجسد يموت
ومن هم الأعداء؟ أعداءنا هى الأفكار الشريرةالتى نسمح لها بالتسرب داخل عقولنا من حواسنا المختلفة ثم نشتكى من صعوبة ضبط الجسد
وهناك جملة مأثورة تقول لا تقدر ان تمنع الطيور عن التحليق فوق راسك و لكنك تستطيع ان تمنعها عن أن تتتخذ رأسك كعُش
تماما كما نترك الشبابيك مفتوحة ثم نصرخ من تراكم الاتربة على أثاثنا
يحمل الهواء الداخل إلينا الكثير من النسمات النقية و لكنة يحمل أيضا الكثير من الغبار و ينبغى الإنتباه للتنقية
نعم الواقع الذى نعيشة غير منضبط و لكننا لن نعيش طوال حياتنا ننتظر ان تتعدل الاوضاع حتى نعيش فى سلام مع انفسنا بينما الأوضاع قد تتعدل فيما بعد مماتنا!!
بل يجب أن نحيا هذا السلام الروحى الذى يلحق الحرب الروحية المستمرة مادمنا منتصرين بالطبع
فبدون حرب لا يوجد إنتصار ولا يوجد سلام أيضا ً

Abeer Soliman يقول...

اين المليونير..

لا أملك سوى الصمت أمام فصاحتك وحسن تعبيرك