الاثنين، 5 مايو 2008
أبو تريكة - البنات والتاكسى (٢)
- الزمالك يا أسطى؟!
- الأهلى؟!
ظننت أن السائق يعانى من بعض مشاكل السمع, فأعدت عليه بصوت عالى: الزمالك؟! فضحك وقال: الأهلى؟!
- لأ الزمالك.. فضحك مجددا ومال بجسده الى الوراء ومد يده فاتحا الباب الخلفى للتاكسى.. ركبت وأنا أتكتك من البرد.. كان السائق نحيف الجسد.. له شعر أشعث تحتل شعيراته البيضاء مساحة أكبر من مثيلاتها السوداء.. لتعلن بوضوح عن عقده الخامس..شئ ما بوجه هذا الكهل المليئ بالتجاعيد جعلنى أدقق فى ملامحه عبر المرآه الأمامية للسيارة عندما واصل ضحكاته وقال: ما عدشى خلاص فى حاجة اسمها الزمالك دلوقتى.. ما بقاش فى غير الأهلى و بس ... دا زمن أبو تريكة.. ربنا بحميه ويزود رزقه كمان وكمان.. وصمت لبضع ثوان ثم سألنى أن كنت أتابع بطولة الأمم الأفريقية.
-طبعا.. هو فى مصرى مش متابعها اليومين دول!!
فألتفت لى فى لمحة سريعة وقال: شفتى الواد أبو تريكة لما قلع الفانلة..؟!
كنت قد شاهدت المباراة ولكن حماس السائق وأداءه الصوتى والجسدى لم يتح لى فرصة الرد عليه وفى الحال تململ بعض الشئ فى مقعده ونظر لى عبر المرآة فى سعادة طفولية بالغة استعدادا للحكى:
- بصى يا ستى.. فى الماتش الأخير..اللى كان مع السودان.. الواد أبو تريكة جاب جون حلو زى وشه.. فراح جرى بعزم ما فيه.. وراح رافع الفلنة (الفنلة) وغطى بيها وشه كده.. هه..
وبأداء تمثيلى بارع رفع سائق التاكسى قميصه وغطى به وجهه أثناء القيادة.. ووضعت يدى على قلبى فقد كنا فى قلب زحمة شوارع المهندسين..ثم أنزل القميص من على وجهه وضحكة بريئة سعيدة ترتسم على شفتيه بالتدريج وكأنه نجح فى اضافة عنصر ال Suspence على الحدث. ورمقنى بنظرة ماكرة بطرف عينه وقال: وكان لابس فلنة تانية تحتها مكتوب عليها بالإنجليزى هنا كده ـ ملتفتا إلى مشيرا الى أعلى صدره بالعرض غير منتبها الى الطريق أمامه - تعاطفا مع غزة. ومكتوب كمان بالعربى تحتها.. تسلم قدمه ودماغه وكمان فلنته... ومصمص السائق بشفتيه واستطرد:
- وقال أيه!! كان الإتحاد الدولى كان عايز يوقفه عن اللعب!!.. بس ما قدروش.. عارفة ليه؟! (ناظرا الى باستفسار .. غير منتظرا لردودى)
- أصل أبو تريكة دلوقتى - حسب ما بيقولوا - بقى أكتر لاعب عنده شعبية فى العالم كله.. شوفى انت بقى فى كام مسلم بيحبه فى العالم بعد الحركة دى!! (وأشار بيده مطوحا فى الهواء) وسكت لخمسة ثوانى ..وواصل بأسى واضح:
- رغم أن اللى لازمهم تعاطف الناس فى الزمن الأغبر ده هم المصريين .. مش الفلسطينين.. ما طول عمر المصريين شايلين هم العرب - خصوصاً الفلسطينين - على كتافهم.. وايه هى النتيجة؟! دخلوا علينا من رفح لما ما لقيوش حتة يروحوها.. والزحف بيبتدى واحدة واحدة.. على الأقل هما معاهم فلوس ومعونات تأكلهم وتشربهم .. الدور والباقى علينا إحنا اللى حتى بقينا مش عارفين ناكل.. ربنا يكون فى عونا جميعا..
وزالت نبرة الأسى من صوته وعاد كسابق عهده قائلا:
- بس برضه براوة ع الواد أبو تريكة ده .. عارفة يا أبلة؟! أنا متأكد إن ربنا هيكرمه.. أنا أسمع من أهل حتته أنه مش متكبر ولا أى حاجة.. دا السنة دى مطلع عشرة من أهل حتته علشان يحجوا.. إلهى ربنا يكرمه.. يا رب (بلع السائق ريقه) وبيقولوا كمان إن خزنة بيته ما عدشى فيها مكان للفلوس (ابتسمت لبراءة السائق وتساءلت هل مازال هناك من يحتفظون بنقودهم فى خزائن منزلية؟!)
كان السائق مازال يتحدث وأنا اسمعه فى خلفية ذهنى وبدأت فى التركيز معه مجددا:
- دا لسه كمان لما يفوزوا فى البطولة دى وياخدوا الكاس.. هياخدوا فلوس بالهبل.. من إشى رجال أعمال.. وإشى إتحادات كورة.. وغيره.. وغيره.. دا الريس قال لو كسبوا هايدى لهم عشرة مليون جنيه!!.. تخيللى؟! (وتنهد بعمق)
-هم يضحك وهم يبكى ..حال المصريين دا والله!!
وتوقفنا فى اشارة شارع محى الدين أبو العز.. وتوقفت بجوارنا سيارة أوبل بيضاء.. تطل من نافذتها طفلة أجمل من الجمال, فأخذ السائق يلاعبها ويخرج لها لسانه ويحك فروة رأسه بيديه بشكل كوميدى.. والفتاة تضحك بتلقائية.. ونظر إلى السائق وقال:
- إنتى ما بتضحكيش ليه؟!
نظرت اليه فى محاولة لفهم هذا المخلوق الجميل ..المحب للحياة.. الذى لم تفقده مرارة العيش قدرته على الدهشة.. أو قابليته للضحك.. ولم أجبه.. وإكتفيت بهز كتفى فى حركة لا تعنى أى شئ.. فقال:
- إسمعى النكتة دى « مرة ملك من الخليج لقى مصباح علاء الدين.. طلع له المارد وقال له: شبيك.. لبيك.. عبدك وملك إيديك.. أطلب أى طلب .. وفى الحال طلباتك ..تجاب. فرد عليه الملك وقال له: « أيش تجول.. ما أبغى أى شئ.. أيش تطلب انت؟
فرد عليه المارد وقال: لأ ما ينفعش أنا أطلب.. أنت اللى المفروض تطلب وأنا ألبى طلبك فى الحال.
هرش الملك فى دماغه وفكر كتير وقال: كل ما أروح فى حتة أتكعبل فى المصريين.. ما أبغى أشوف مصريين بعد الآن.. إمحيهم من ع الأرض.
فبص له المارد والدموع طافرة من عينيه وقال له « حرام عليك يا سعادة البيه .. أمال بس نروح فين أكتر من كده؟!!!
ضحكت من قلبى على أدائه المميز للنكته.. فقال لى السائق: ما تنسيش تدفعى تمن الضحك وانت نازلة وظننته يمزح.. ولكن عندما وصلت الزمالك وأعطيته خمسة جنيهات أخذها منى وقال:
-تمام كده .. الخمسة جنيه فعلا أجرة المشوار.. بس لسه فاضل اتنين جنيه كمان تمن الضحك.. ويابلاش.. دى أصعب حاجة ممكن تلاقيها فى بلدنا اليومين دول.. وبإتنين جنيه بس!!
ناولته الجنيهين وإنصرفت.. فقد كان يستحقهما.. وحتى الآن أتذكره فى كل مرة أركب تاكسى وأكون مش سعيدة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك 4 تعليقات:
أنا بحسدك !! وقعتى فى سواق ذى العسل ,, بس فعلآ بيجيبوا القدرة على التحاور والضحك كمان منين ؟؟ متهيألى لو معملش كدة هيموت مخنوق من كل حاجة ,,و دى رحمة ربنا اللى بتخليهم يتصبروا بالحكى والكلام !!!
يا بخت من يقدر يقول واللى فضميرة يطلعه
يابخت من يقدر يفضفض بالكلام وكل واحد يسمعه
رغم أن اللى لازمهم تعاطف الناس فى الزمن الأغبر ده هم المصريين .. مش الفلسطينين.. ما طول عمر المصريين شايلين هم العرب - خصوصاً الفلسطينين - على كتافهم.. وايه هى النتيجة؟! دخلوا علينا من رفح لما ما لقيوش حتة يروحوها.. والزحف بيبتدى واحدة واحدة
اذا بس فيه حد يفهمني الحتة اللي فوق هاي ، بصراحة اقسم بالله العلي العظيم من كتر الكلام اللي سمعته بالموضوع هاد عن غزو الهكسوس الفلسطينين لأرض مصر ، تمنيت فعلا انه لو ضلينا بغزة مليون سنة تحت الصواريخ وبدون وقود ولا أكل ولا دواء ولا انه ندخل "ارض مصر الشقيقة" تقبلو تحياتي
Eng. M
عفوآ,,أسمحيلى يا عبير أرد على التعليق ال(غير معروف)
الرأى اللى بتعترض علية دة مش رأى المصريين دة كلام سواق تاكسى غلبان بيردد الأفكار اللى الحكومة غسلت بيها دماغ البسطاء اللى ذيه..لكن أى حد فاهم عارف كويس أننا يا أهل فلسطين الأعزاء كلنا فى الهم والخديعة وسرقة العمر منا -كلنا سواء -لكن كلامك وجع قلبى ولا أملك سوى الأعتذار وأن كان لا يفيد
أنا عارف يا استاذ طارق انه الكلام كلام انسان بسيط بيردد ما تشبع به من الحكومة ، ولكن مصر بلد العلماء والادباء والمفكرين والعظماء والمبدعين في كافة المجالات استغرب سرعة انقياد افراد شعبها لادعاءات الحكومة وتصديقهم انه نحنا مصدر خوف وقلق وعبث بالامن المصري ومن هالكلام اللي لا يصدقه اي عاقل ، ولكن بصراحة حتى عندما اسمعها من انسان بسيط احس بمرارة بقلبي ، لانه مصر اكبر من كل شيئ ، مصر بلدي التاني ، مصر هي البلد الوحيد بالعالم ومن بين عدد لا بأس به من الدول اللي زرتها ، هي المكان الوحيد اللي بأشعر وانا فيه بطمأنينة غريبة ، مصر المكان الوحيد اللي بأشعر فيها بلذة التعب حين المشي في شوارع القاهرة القديمة واسواقها الشعبية وعماراتها الخديوية ، مصر هي الحضن الدافئ ، مصر هي الملاذ الأخير ،مصر هي الماضي العريق، وهي الحاضر وهي المستقبل، .. مصر ، مصر ...مصر ، لو بقيت أردد ما انتهيت ، الخلاصة يا استاذ طارق نحنا مش بحاجة لاعتذار لانه بيكفيني ابتسامة اصغر عامل مصري بفندق لتنسيني كل شيء وتشحنني بجرعة من الأمل ، يكفينا ان تلامس اقدامنا تراب مصر من جديد ونروي ظمأننا بمياه النيل ونعود لنشعر اننا جزء من مصر ومصر جزء منا ، شكرا ليك يا استاذ طارق ويشرفني ردك
eng. M
إرسال تعليق